الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[44] هل تقع كلمة "نفر" تمييزا لعشرين وثلاثين
؟
ويقولون: هم عشرون نفرا وثلاثون نفرا فيوهمون فيه؛ لأن النفر إنما يقع على الثلاثة من الرجال إلى العشرة، فيقال: هم ثلاثة نفر وهؤلاء عشرة نفر، ولم يسمع عن العرب استعمال النفر فيما جاوز العشرة بحال، ومن كلامهم في الدعاء الذي لا يراد وقوعه بمن قصد به: لا عد من نفره.
كما قال "امرؤ القيس":
(فهو لا تنمي دميته
…
ماله لا عد من نفره)
ــ
(ويقولون: هم عشرون نفرا وثلاثون نفرا فيوهمون فيه؛ لأن النفر إنما يقع على الثلاثة من الرجال إلى العشرة).
ما ذكره وإن كان مشهورا ففي كلام البلغاء وأهل اللغة ما يخالفه، ولهذا قال بعضهم: النفر يطلق على ما فوق الثلاثة، كما في "القاموس" وغيره. وفي كلام "الشعبي": حدثني بضعة عشر نفرا. ولا يختص بالرجال بل ولا بالإنسان لقوله تعالى: {قل أوحى إلي أنه استمع نفر من الجن} [الجن: 1].
وفي "المجمل": النفر والرهط يستعمل إلى الأربعين، والفرق بينهما أن الرهط يرجعون إلى أب واحد بخلاف النفر. وبيت "امرئ القيس" المذكور شاهد على غير ما قاله المصنف لا له، فهو كما قيل في المثل "كالحافر على حتفه بظلفه" لأنه فسر النفر فيه
فظاهر كلامه أنه دعاء عليه بالموت الذي به يخرج عن أن يعد من قومه، وأخرج هذا القول مخرج المد له والإعجاب بما بدا منه لأنه وصفه بسداد الرماية وإصماء الرمية وهو معنى قوله: لا تنمي رميته، لأنهم قالوا في الصيد: رماه فأصماه إذا قتله مكانه ورماه فأنماه إذا غاب عن عينيه ثم وجده ميتا، وفي الحديث: أن رجلا أتاه. عليه السلام. فقال: إني أرمي الصيد فأصمي وأنمي، فقال له:"ما أصميت فكل، وما أنميت فلا تأكل" وإنما نهاه عن أكل ما أنماه لجواز أن يكون مات من غير مرماه.
ونظير قولهم: لا عد من نفره قولهم للشاعر المغلق: قاتله الله، وللفارس المحرب: لا أب له، وعلى هذا فسر قوله صلى الله عليه وسلم لمن استشاره في النكاح:
ــ
بالقوم، وهو المتبادل من قوله تعالى:{وأعز نفرا} [الكهف: 34]، كما يشهد له مقام الافتخار، ومن الغريب ما وقع في الحديث من استعماله بمعنى رجل وبه صرح الإمام "الكرماني" فقال: للنفر معنى آخر في العرف وهو الرجل، والمراد بالعرف عرف اللغة لأنه فسر به الحديث الصحيح، وقد غفل عن هذا بعض أهل العصر فقال في بعض تآليفه: فإن قلت: قال صاحب "التقريب" في تفسير قول من قال: لو ههنا أحد من أنفارنا أي رجالنا مقتضاه وقوع النفر على الرجل الواحد فليكن قولهم عشرون نفرا على معنى "عشرون
"عليك بذات الدين تربت يداك" وإلى هذا المعنى أشار القائل بقوله:
(أسب إذا أجدت القول ظلما
…
كذاك يقال للرجل المجيد)
يعني أنه يقال له عند إجادته واستحسان براعته: قاتله الله فما أشعره! ولا أب له فما أمهره! .
وعند أكثر أهل اللغة أن الرهط بمعنى النفر في أنه لا يتجاوز العشرة، كما جاء في القرآن [الكريم]:{وكان في المدينة تسع رهط} [النمل: 48] إلا أن الرهط يرجعون إلى أب واحد بخلاف النفر، وإنما أضيف العدد إلى النفر والرهط لأنهما اسمان
ــ
رجلا" قلت: قد قال هذا صاحب "مطالع اللغة" وهو "ابن قرقول" في هذا التفسير، إلا أنه قال في "المطالع": لم يرد أن النفر بمعنى الرجل والأنفار بمعنى الرجال، وإنما هو بيان لحاصل المعنى.
وقد علمت مما قدمناه لك ما في كلامه فتنبه له.
كما قال "امرؤ القيس":
(فهو لا تنمي رميته
…
ما له لا عد من نفره)
هو من قصيدة في ديوانه أولها:
(رب رام من بني ثعل
…
مخرج كفيه من ستره)
وهي من غرر قصائده لعذوبة لفظها وخفة وزنها، ولهذا عارضه كثيرون من الشعراء المتقدمين "كعلي بن جبلة" في قوله يمدح "أبا دلف":
(يا دواء الأرض إن فسدت
…
وبديل الير من عسره)
للجماعة، فكان تقديره قوله تعالى:{تسعة رهط} [النمل: 48] أي تسعة رجال، ولو كان بمعنى الواحد لما جازت الإضافة إليه كما يقال: تسعة رجل، وذكر "ابن فارس" في كتاب "المجمل" أن الرهط يقال إلى الأربعين كالعصبة.
ــ
(كل من في الأرض من عرب
…
بين باديه إلى حضره)
(مستعير منك منقبة
…
يكتسبها يوم مفتخره)
وقول "أبي نواس":
(أيها المنتاب عن عفره
…
لست من ليلى ولا سمره)
[ومنها]:
[لا أذود الطير عن شجر
…
قد بلوت المر من ثمره]
وفي شرح دبوان "امرى القيس" أنمى بمعنى: توارى عن الرامي مات أو لم يمت، والضمير للرامي، وقال "ابن بري": النفر هنا بمعنى القوم فلا يناسب مدعاه فإن قومه "بنو ثعل" وهم خلق كثير، وورد في الحديث "ثلاثة أرهط" فسمى الواحد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رهطا، وهو كالذود الذي يراد به الواحد، وهو في أصلخ جمع كما في النفر.
وقوله (تربت يداه) دعا عليه بالفقر كأنه ليس عنده غير التراب، ومثله أرمل المأخوذ من الرمل، وقال في "الكشاف": قولهم: قاتله الله ونحوه كأنه بلغ مبلغا يحسد فيه ويدعو عليه حاسدوه، وهو استعارة كما حققه أهل المعاني.
(ثم إن الرهط يقال إلى الأرعين كالعصبة) ولم يبين ابتداء ذلك في العصبة، وظاهر تسويته بالرهط أنه يطلق على ما دون العشرة، والمصرح به في كتب اللغة أن العصبة من العشرة إلى الأربعين، وفي التفاسير: العصبة والعصابة العشرة فصاعدا لأنهم تعصب بهم الأمور وتستكفي النوائب، وقيل: ذلك مردود بما في مصحف "حفصة"{إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم} [النور: 11]، وأجيب:[عنه بأنه من ذكر البعض بعد الكل لنكتة أو هو مجاز وما قاله ابن فارس قول آخر مخالف للمشهور].