الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[59]- النسب إلى دنيا
ويقولون: رجل دنيائي. بهمزة قبل ياء النسب فيلحنون فيه، لأن المسموع عن العرب في النسب إلى دنيا دنيي ودنيوي، وفيهم من شبه ألفها بألف بيضاء لكونهما علامتي تأنيث فقال دنياوي كما قيل في بيضاء بيضاوي، فأما إلحاق الهمزة بها فلا وجه له لأنه اسم مقصور غير مصروف، والهمزة إنما ألحقت بالمنسوب إلى الممدود المنصرف كما يقال في النسب إلى سماء وحرباء: سمائي وحربائي على أنه قد يجوز فيهما سماوي وحرباوي. ومن أوهامهم في لفظة دنيا أيضاً تنوينهم إياها فيقولون: هذه دنيا متعبة وهو من مشاين الوهم ومقابح اللحن، لأن دنيا وما هو على وزنها مما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة، لا يدخله التنوين بوجه، وإنما لم ينصرف ما أنث بالألف في معرفة ولا نكرة، وانصرف مما أنث بالهاء في النكرة وكلتاهما علامة للتأنيث لأن التأنيث بالألف أقوى من التأنيث بالهاء بدليل أن الكلمة المؤنثة بالألف نحو حبلى
ــ
(ومن أوهامهم في لفظ دنيا أيضا تنوينهم إياها، فيقولون: هذه دنيا متعبة) أي بتنوين دنيا، ولذا أتي بها موصوفة بقوله متعبة ليظهر التنوين، فلا يذهب في حالة الوقف، والدنيا نقيض الآخرة، وقد ذكر أهل اللغة أن العرب قد تنونها فجعله وهماً وهم منه، والذي غره أن آخره ألف تأنيث فلا يتأتى صرفه بوجه من الوجوه، وسيأتي توجيهه. وقد روي منوناً في «البخاري» ، فقال بعض شراحه: إنه غلط من الرواة، ورده بعضهم بأن «ابن الأعرابي» حكاه عن العرب سماعاً.
وسكري وحمراء وخضراء صيغت في بدئها وأول وضعها على التأنيث فقوى تخصصها بالأنوثة، ونابت هذه العلة مناب علتين فمنعت الصرف بالواحدة. والتأنيث بالهاء ملتحق بالكلمة بعد استعمالها في المذكر نحو قولك: عائش وعائشة وخديج وخديجة فلهذا حط من درجة ما أنث بالألف وصرف في النكرة.
ــ
وفي شرح «المقصورة» «لابن هشام اللخمي» سمع دنيا بالصرف، وهو كما قاله «ابن جني»: نادر وغريب، ولا نعلم شيئاً مما آخره ألف تأنيث مصروفاً غير هذا الحرف، فهو شاذ إن لم يقل بأنه ملحق. وقد سمع في قوله:
(في سعي دنيا طالما قد مدت)
وليس بضرورة لعدم اختلاف الوزن في الحالتين. وقال «أبو الفتح» : يجوز أن تكون الألف فيه للإلحاق بجحدب، ولما غلب على دنيا وأمثالها أن تكون ألفها للتأنيث أبقوا قلب الواو ياء، وأجروها على المعتاد فيها، ليس وزنها فعلى بل فعلل وجوز فيه أن يكون فعيل كقليب، وقد استضعفوا الوجهين. وقال «ابن هشام»: لا يسوغان عندي لأن فعللا لم يثبت عندنا خلافاً «لأبي الحسن» . فأما «بهماة» فألفه للتكثير إلا أنها لم ترد في مثله للتكثير إلا مع تاء التأنيث، كما أن الواو لم ترد في «عرقوة» إلا معها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وكذا فعيل بناء معدوم عند «سيبويه» وشاذ عند غيره، فلا ينبغي أن يحمل عليه، وأيضا المعنى شاهد بخلافه لوقوعه في مقابلة الأخرى. وحكي بعض اللغويين تنوين «خنثى» فإن صح ثبت أن ألف فعلى تكون لغير التأنيث كالتكثير، فيتضح أمر «دنيا» على قول «ابن الأعرابي»:
(ولعمري أن ذي الدنيا لقد
…
حيرت باللفظ والمعنى الورى)
وما ذكره المصنف قبل هذا في النسبة إليها مفصل في علم التصريف؛ فلهذا أعرضنا عن بيانه لشهرته فاعرفه.