الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[13] تعدية أدخل بالباء
ويقولون: أدخل باللص السجن، فيغلطون فيه، والصواب أن يقال: أدخل اللص السجن، أو دُخل به السجن.
لأن الفعل يُعدَّى تارة بهمزة النقل كقولك: خرج وأخرجته وتارة بالباء
ــ
(يقولون: أدخل باللص السجن، فيغلطونه فيه، والصواب أن يقال: أدخل اللص السجن أو دخل به السجن).
إن كانت الباء للتعدية فالأمر كما قال، وإن كانت زائدة كما في الآية فالأمر سهل.
وقد قرئ قوله تعالى: {يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار} بضم الياء التحتية على زيادة الباء الموحدة، وهو كقولهم: بعينه.
(فقال الأكثرون: هما بمعنى واحد، وقال "المبرد": بينهما فرق، وهو أنك إذا قلت: أخرجت زيداً كان بمعنى حملته على الخروج، وإذا قلت: خرجت به فمعناه أنك خرجت واستصحبته).
وقيل: الهمزة أعمُّ من الباء، وفي "المثل السائر":"كل من ذهب بشيء فقد أذهبه وليس كل من أذهب شيئاً ذهب به". وقد وافق "المبرد" جماعةٌ منهم "السهيلي" ورده "ابن هشام" بهذه الآية، وبأن الهمزة والباء يتعاقبان، ولهذا لم يجز
كقولك: خرج وخرجت به، فأما الجمع بينهما فممتنع في الكلام كما لا يجمع بين حرفي استفهام، وقد اختلف النحويون: هل بين حرفي التعدية فرق أم لا؟ فقال الأكثرون: هما بمعنى واحد، وقال "أبو العباس المبرد": بل بينهما فرق، وهو أنك
ــ
أقمت بزيد ولو أفادت الباء ما تفيده الهمزة مع زيادة جاز الجمع بينهما؛ لأن اجتماع حرفين في أحدهما زيادة غير مستنكر نحو لقد، وهذا غير جائز، وقيل: إن الحق الفرق بينهما لولود الباء في مواطن الأخذ والاستصحاب، وقد استعمل كل منهما في مقام الآخر فإذا تعذر المعنى الحقيقي كما في قوله تعالى:{ذهب الله بنورهم} الآية، وجب المصير إلى التجويز، ولهذا قال نجم الأئمة "الرضي": الباء في هذه الآية للتوكيد كأنه لما أذهبه ذهاباً لا يرد كان كمن استصحبه [فإن من استصحب] شيئاً لا يفارقه فأتى بالياء إشارةً إلى عدم الرد، فهو كما قيل: مجازٌ متفرع على الكناية. وإنما لم يجز جمع التعديتين لأن استعمال كل منهما في مقام غير مقام الآخر صيرهما كالمتنافيتين، وفي "الجني الداني": وأجيب عن الرد بالآية بأنه تعالى وصف نفسه بالذهاب على معنى يليق به كما وصف نفسه بالمجيء في قوله تعالى: {وجاء ربك والملك} وهو ظاهر البعد اهـ. وفي الكشاف: الفرق بين أذهب تعالى: {وجاء ربك والملك} وهو ظاهر البعد اهـ. وفي الكشاف: الفرق بين أذهب وذهب به أن معنى أذهبه أزاله وجعله ذاهباً، ويقال: ذهب به إذا استصحبه ومضى معه، وذهب السلطان بماله: أخذه {إذاً لذهب كل إله بما خلق} . ومنه ذهبت به الخيلاء، والمعنى: أخذ الله نورهم وأمسكه {وما يمسك فلا مرسل له من بعده} ، وفيه إشارة إلى الجواب عن الآية، وأنه معنى آخر لذهب مع الباء لا محذور في نسبته إليه تعالى.
إذا قلت: أخرجت زيداً كان بمعنى حملته على الخروج، فإذا قلت: خرجت به، بمعناه أنك خرجت واستصحبته معك.
ــ
وفيه كلام فصلناه في كتابنا "عناية القاضي".
ثم إن المصنف أورد ما يخالف مدعاه من قوله تعالى: {تنبت بالدهن} فقال: (أنبت بمعنى نبت، والهمزة فيها أصلية لا للنقل، كما قال "زهير":
(رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم
…
قطينا لهم حتى إذا أنبت البقل)
هذا البيت من قصيدة "لزهير بن أبي سلمى" يمدح بها "سنان بن أبي حارثة" أولها:
(صحا القلب عن سلمى وقد كاد لا يسلو
…
وأقفر من سلمى التعانيق والنقل)
وهي طويل، ومنها:
(إذا السنة الشهباء بالناس أجحفت
…
ونال كرام المال في الحجرة الأكل)
(رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم
…
قطينا لهم حتى إذا أنبت البقل)
والقول الأول أصح، بدلالة قوله تعالى:{ذهب الله بنورهم} فإن اعترض معترض في جواز الجمع بين حرفي التعدية بقراءة من قرأ {وشجرة تخرج من طور سيناء تُنبِت بالدهن} بضم التاء.
ــ
(هنالك إن يستخبلوا المال يخبلوا
…
وإن يسألوا يعطوا وإن يسروا يعلوا)
(وفيهم مقامات حسان وجوهها
…
وأندية بنثابها القول والفعل)
(على مكثريهم حق من يعتريهم
…
وعند المقلين السماحة والبذل)
(وما يك من خير أتوه فإنما
…
توارثه آباء آبائهم قبل)
(وهل بنيت الخطِّي إلا وشيجه
…
وتُغرس إلا في منابتها النخل)
الخ
…
وما ذكره المصنف من أن أنبت في بيت "زهير"، إحدى روايتين فيه. قال "السرقسطي" في "أفعاله": نبت البقل نباتاً وأنبت، وأنشد بيت "زهير" نبت بدون همزة، وقال: روى أنبت، وأنكره "الأصمعي".
ورأيت بفتح تاء الخطاب بتصحيح "الصاغاني" وهوظاهر. قال "الطيبي": وكثير ينشده بضم التاء، وذوو الحاجات الفقراء والمساكين. وقطين جمع قاطن بمعنى مقيم ويكون القطين بمعنى الخدم والأتباع أيضاً، يقول: ذوو الحاجات يقيمون حول بيوتهم
فقد قيل فيها عدة أقوال: أحدها أن أنبت بمعنى نبت والهمزة فيها أصلية لا للنقل كما قال زهير:
(رأيت ذوي الحاجات حول بيوتنا
…
قطينا لهم حتى إذا أنبت البقل)
فعلى هذا القول تكون هذه القراءة بمعنى من قرأ: (تنبت بالدهن) بفتح التاء، والمعنى أن الدهن ينبتها وقيل في القرآن: إن الباء زائدة كزيادته في قوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلا التهلكة} وكزيادتها في قول الراجز:
(نحو بنو جعدة أصحاب الفلج
…
نضرب بالسيف ونرجو بالفرج)
ــ
لقضاء أوطارهم لأنها معاهد الكرم وموارد النعم، وكني بنبات البقل عن الخصب وزوال الجدب وحينئذ ينصرف المقلون من عندهم للانتجاع، ومعنى البيت الأخير أنه لا يلد الكريم إلا كريم ولا يترقى إلى موضع كريم إلا عظيم كما تنبت القناة إلا القناة ولا ينبت النخل في غير مغارسه فضرب ذلك مثلاً لأنهم كرماء أولاد كرماء، وهو في غاية البلاغة واللطف. والخطِّي بفتح الخاء: الرمح نسبه إلى الخط ساحل بالبحرين تنسب إليه الرماح، والوشيج بالمعجمة الأصل وعروق الشجر وسيأتي الكلام على الباء الزايدة. ثم أنشد شاهداً على زيادة الباء قول الراجز:
(نحن بنو ضبة اصحاب الفلج
…
نضرب بالصيف ونرجو بالفرج)
وهو بيت لا يعرف قائله، ولم يُعز في شرح الشواهد، و"صبَّة" علم رجل، وهو عم أو ابن عم "التميم بن مر"، والفلج هنا بمعنى الظفر والفرح، ولم يحك فيه "الجوهري" غير سكون اللام، ولذا قال "الدماميني" في شرح "المغني" أن فتح اللام
فيكون تقدير الكلام على هذا التأويل: تنبت الدهن أي يخرج الدهن.
وقيل: إن الباء متعلقة بمفعول محذوف تقديره تنبت ما تنبته وفيه دهن، كما تقول: ركب الأمير بسفيه، أي وسيفه معه، وخرج زيد بثيابه، أي وثيابه عليه.
وقيل. وهو أحسن الأقوال: إنما زيدت الباء لأن إنباتها الدهن بعد إنبات الثمر الذي يخرج منه الدهن، فلما كان الفعل في المعنى قد تعلق بمفعولين يكونان في حال بعد حال، وهي الثمرة والدهن احتيج إلى تقويته في التعدي بالباء.
ــ
اتباعاً لفتح الفاء ضرورة، وهو من عدم الاطلاع؛ فإنه بفتحتين لغة أصلية فيه، وفي شرح العلامة "الزمخشري" لمقاماته الفلج، والفلج كالرشد والرشد الظفر وفلج على خصمه وفلجه بالحجة غلبة وفي المثل "من يأت الحكم وحده يفلج" وفي حديث "علي":"كالياسر الفالج" اهـ. (وقيل وهو أحسن الأقوال: إنما زيدت الباء لأن إنباتها الدهن بعد إنباتها الثمر الذي يخرج الدهن منه، فلما كان الفعل في المعنى قد تعلق بمفعولين يكونان في حال بعد حال وهما الثمرة والدهن احتيج إلى تقويته في التعدي بالباء). وقوله: الهمزة أصلية فيه تسمح. والمراد أنها في أصل بناء الكلمة لا عارضة للتعدية بقرينة قوله لا للنقل.
وقوله (تكون هذه القراءة بمعنى قراءة من قرأ تنبت بالدهن بفتح التاء) هذا على ما اختاره، فأما إذا قيل أن الباء للتعدية على الفتح ومتعلقة بمحذوف، وهو حال أي تنبت ثمرتها دهنه، فلا يكونان بمعنى، وعلى الحالية هو كخرج بسلاحه أن متسلحاً، فموضع الباء وما بعدها نصب على الحال، ولو كانت الباء للتعدية كان معناه أخرج السلاح، وإن جعلت الباء زائدة في الضم تشارك المعنيان. وقوله (والمعنى إن الدهن ينبتها)[ليس بصحيح، بل المعنى أنها تنبت الدهن إذا الدهن لا ينبتها] وإنما ينبتها الماء والقلب بعيد،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقوله (احتيج إلى تقوية في التعدي بالباء) هو بعينه كلام "الجوهري"، و [قد] قيل عليه: إنه غلط منه وممن تأوله، لأن الباء ليست للتعدية هنا عند أحد من النحويين على ضم التاء. وإنما هو على أن المفعول محذوف والجار والمجرور حال والتقدير تنبت ثمرتها ودهنها فيها فليس ها هنا مفعولان يكون التعدي إلى الثاني بالباء، وإنما هو مفعول وحال اهـ.
واعلم أن صاحب "اللباب" قال: باء المصاحبة لا تكون إلا ظرفاً مستقراً ولا مانع من الإلغاء فيها عندي كما في باب الاستعانة، فإذا قلت اشترى الفرس بسرجه جاز تعلق الباء باشترى على جهة المصاحبة كما: كتبت بالقلم فإن وجوه التعلق مختلفة فحينئذ لنا أن نقول: الباء متعلقة بتنبت معدية له لأن التعلق والتعدي يكونان بمعنى. فلا يرد رد "ابن بري" على المصنف و"الجوهري"، ولا يبعد أن يتعدى أنبت بالباء لمفعول ثان وإسناد الشيء إلى ما ذكر مجاز.