الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[37] قولهم في كبرى وصغرى
ويقولون: هذه كبرى وتلك صغرى، فيستعملونها نكرتين، وهما من قبيل ما لم تنكره العرب بحال، ولا نطقت به إلا معروفا حيثما وقع في الكلام، والصواب أن يقال فيهما: هذه الكبرى وتلك الصغرى، أو هذه كبرى اللآلي وتلك صغرى الجواري، كما ورد في الأثر:"إذا اجتمعت الحرمتان طرحت الصغرى للكبرى".
ــ
(ويقولون: هذه كبرى وصغرى فيستعملونها نكرتين وهما من قبيل ما لم تنكره العرب بحال).
ما أنكره صحيح فصحيح لأنه مخرج عن استعمال أفعل التفضيل مجردا عن المفاضلة، فيكون مطابقا مع تجرده عن أل والإضافة، كما جوزه علماء العربية، وما توهمه إنما هو إذا بقي على أصل معناه، وعليه خرج بيت "أبي نواس" وقول العروضيين: فاصلة صغرى وكبرى، وعليه قول "الفرزدق":
أي إذا اجتمع أمران في أحدهما مصلحة تخص وفي الآخر مصلحة تعم قدم الذي تعم مصلحته على ما تخص منفعته، وذكر شيخنا "أبو القاسم بن الفضل" النحوي. رحمه الله. أن فعلى بضم الفاء تنقسم إلى خمسة أقسام: أحدها أن تأتي اسما علما نحو حزوى ..
والثاني، أن تأتي مصدرا نحو رجعى.
والثالث، أن تأتي اسم جنس مثل بهمى. وهو نبت ..
والرابع، أن تأتي تأنيث "أفعل" نحو الكبرى والصغرى.
ــ
(إذا غاب عنكم أسود العين كنتم
…
كراما وأنتم ما أقام ألائم)
أي لئام والكثير ألا يطابق كقوله:
(إن الذي سمك السماء بنى لنا
…
بيتا دعائمه أعز وأطول)
على وجه فيه، والوجه الآخر أنه على أصله، والمراد أعز وأطول من دعائم غيره، ومقابلة الألاثم بالكرام تدل على أنه لم يرد المفاضلة.
(ومن هذا القسم قوله تعالى: {قسمة ضيزى} [النجم: 22] لأن الأصل فيها ضوزى) وفي نسخة ضيزى بالضم والياء، وقال "ابن بري" على النسخة الأولى: صوابه ضيزى فلهذا كسرت الضاد. يقال: ضازه يضيره إذا نقصه، ومن قال: ضازه فإنه يقول: ضوزى بضم الضاد لا غير. اهـ.
وفي مفردات "الراغب" ضيزى ناقصة، وأصله فعلى فكسرت الضاد للياء، قيل: وليس في كلامهم فعلى [يعني] بكسر الفاء صفة، فإنه من أبنية الأسماء كشعرى وذكرى، وقرى ضئزى بالهمز، على أنه مصدر ضأزه يضأزه ضئزى كذكرى، وأجاز بعضهم فيه أن يكون فعلى كبشرى، وعوملت الهمزة معاملة الحرف الذي تؤول إليه في
والخامس، أن تأتي صفة محضة ليست بتأنيث أفعل نحو حبلى، ومن هذا القسم قوله تعالى:{قسمة ضيزى} [النجم: 22] لأن الأصل فيها ضوزي، وإذا كانت لتأنيث أفعل تعاقب عليها لام التعريف والإضافة، ولم يجز أن تعرى من أحدهما، وذلك نحو قولك: الكبرى والصغرى وطولى القصائد وقصرى الأراجيز.
قال: ولم يشذ من ذلك إلا دنيا وأخرى، فإنهما لكثرة مجالهما في الكلام ومدارهما فيه استعملتا نكرتين، كما قالت "الحرقة بنت النعمان":
([فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا
…
إذا نحن فيهم سوقة نتنصف])
(فأف لدنيا لا يدوم نعيمها
…
تنقل تارات بنا وتصرف)
والغاية معروفة وأما طوبى في قولهم: طوبى لك، وجلى في قول "النهشلي":
ــ
التخفيف، ويحتمل هذا أيضا أن يكون من ضازه يضوزه ثم همز كما قالوا في موضى مؤسى لتحقيق حرف العلة، ومعناه قسمة ذات ظلم.
ووجه الياء عند "أبي عبيدة" أنه صفة على فعلى بالضم من ضازه يضيزه إذا نقصه، أي قسمه جائزة، وكسرت الفاء لتسلم العين كبيض على قياس عين، فعلى هذا ليست فعلى بالكسر إذا لم تأت صفة، وإنما جاءت مفتوحة أو ما حكى "ثعلب" من مشية
وإن دعوت إلى جلى ومكرمة
…
يوما سراة كرام الناس فادعينا)
فإنهما مصدران كالرجعى، وفعلى المصدرية لا يلزم تعريفها، وأما طوبى في قوله تعالى:{طوبى لهم وحسن مآب} [الرعد: 29] فقيل: إنها من أسماء الجنة، وقيل: بل هي شجرة تظل الجنان كلها وقيل: بل هي مصدر مشتق من الطيب، وعلى اختلاف هذا التفسير لا يحتاج إلى التعريف، وقد عيب على "أبي نواس" قوله:
(كأن كبرى وصغرى من فواقعها
…
حصباء در على أرض من الذهب)
ومن تأول له فيه قال: جعل من في البيت زائدة على ما أجازه "أبو الحسن
ــ
حيكى وغيرها من امرأة عزمى وسعلى وكيصى، والحمل على الأكثر أولى، وقال "أبو علي": قياسه ضوزى ليبعدها عن الطرف بالرابع بخلاف عين، لكنه عدل عنه تخفيفا مع أمن اللبس، وحكى "أبو عبيد" أيضا" ضازه يضوزه فيحتمل التخفيف السابق، ويجوز أن يكون مخففا من المهموز، وقال "الجعبري": فيه لغات: ضئزى، وضيزى، وضوزى، وضازى.
وقوله: (تأنيث أفعل) يريد مؤنث هذا البناء مطلقا مع قطع النظر عن تغريفه
الأخفش" من زيادتها في الجواب. وأول عليه قوله تعالى: {من جبال فيها من برد} [النور: 43] وقال: تقديره: فيها برد.
طرفة أدبية
وقد اتفق بحضرة "المأمون" تحقيق هذا التشبيه المودع بيت "أبي نواس" على وجه المجاز، وذلك أنه حين بنى على "بوران بنت الحسن بن سهل" فرش له حصير منسوج بالذهب، ثم نثر عى قدميه لآلى كثيرة، فلما رأى تساقط اللآلى المختلفة على الحصير النسيج قال: قاتل الله "أبا نواس" كأنه شاهد هذا الحال حتى
ــ
وتنكيره، فلا يرد قول المحشي: الصواب الأفعل.
(ولم يشذ من ذلك شيء إلا دنيا وأخرى فإنهما لكثرة مجالهما في الكلام، ومدارهما فيه استعملا نكرتين).
قال "ابن بري": إنما لزمت الألف واللام في الأفضل والفضلى لتكون عوضا من لزوم منك في النكرة إذا قلت: أفضل منك، ولما كانت منك غير لازمة في أخر إذا قلت مررت برجل آخر لم تلزم الألف واللام في قولك أخرى وأما دنيا فإنها استعملت استعمال الأسماء فلذلك جاز تنكيرها. اهـ.
[و (حرقة) بحاء وراء مهملتين وقاف، بزنة همزة، وسيأتي هذا الشعر بتمامه.]
و(قول "نهشل":
شبه بها حباب كأسه، وأنشد البيت المستطرد به.
ويضاهى هذه الحكاية في طرفة اتفاقها وملحة مساقها ما حكي أن "عبد الله بن مروان" حين أزمع النهود إلى محاربة "مصعب بن الزبير" ناشدته "عاتكة بنت يزيد بن معاوية" ألا يخرج بنفسه وأن يستنيب غيره في حربه،
ــ
(وإن دعوت إلى جلى ومكرمة
…
يوما سراة كرام الناس فادعينا)
هذا من قصيدة لبعض بني "قيس بن ثعلبة"، وقيل: إنها "لبشامة بن حرب" وقيل "للمرقش" وأولها:
(إنا محيوك يا سلمى فحيينا
…
وإن سقيت كرام الناس فاسقينا)
وإن دعوت
…
البيت.
وقد عيب على "أبي نواس" قوله:
(كأن كبرى وصغرى من فواقعها
…
حصباء در على أرض من الذهب)
ومن تأول فيه قال: جعل من في البيت زائدة على ما أجازه "أبو الحسن الأخفش") في "المغني" قال بعضهم إن "من" زائدة [في الموضعين] وأنهما مصافان على حد قوله:
"بين ذراعي وجبهة الأسدة
ولم تزل تلح عليه في المسألة وهو يمتنع من الإجابة، فلما يئست منه أخذت في بكائها حتى أغول حشمها لإعوالها، فقال "عبد الملك": قاتل الله "ابن أبي جمعة" يعني كثيرا، كأنه رأى موقفنا حين قال:
(إذا ما أراد الغزو لم يئن عزمه
…
خصان عليها نظم در يزينها)
(نهته فلما لم تر النهي عاقه
…
بكت فبكني مما شجاها قطينها)
ثم عزم عليها أن تقصر وخرج.
ــ
يرده أن من لا تقحم في الإيجاب ولا مع تعريف المجرور.
والبيت من قصيدة "لأبي نواس" أولها:
(ساع بكأس إلى ناس على طرب
…
كلاهما عجب من منظر عجب)
(قامت تريني وذيل الليل منسدل
…
صبحا تولد بين الماء والعنب)
(كأن كبرى وصغرى من فواقعها
…
حصباء در على أرض من الذهب)
والقصيدة طويلة وهي من غرره.
وقوله (ثم عزم عليها) أي أقسم فقال: عزمت عليك إلا فعلت كذا، أي أقسمت.