الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[180]- قولهم الصيف ضيعت اللبن
ويقولون للرجل المضيع لأمره المتعرض لاستدراكه بعد فوته: الصيف ضيعت اللبن، بفتح التاء. والصواب أن يخاطب بكسرها وإن كان مذكرا، لأنه مثل، والأمثال تحكى على أصل صيغتها وأولية وضعها.
وهذا المثل وضع في الابتداء بكسر التاء لمخاطبة المؤنث به، وأصله أن "عمرو بن عمرو بن عدس" كان تزوج ابنة عم أبيه "دختنوس بنت لقيط بن زرارة" بعدما أسن، وكان أكثر قومه مالا فكرهته، ولم تزل تسأله الطلاق حتى طلقها فتزوجها "عمير بن معبد بن زرارة" وكان شاباً مملقاً، فمرت بها ذات يوم إبل "عمرو" وكانت في ضر، فقالت لخادمتها: قولي له: ليسقينا من اللبن، فلما أبلغته قال لها: قولي لها: "الصيف ضيعت اللبن" فلما أدت جوابه إليها ضربت يدها على كتف زوجها وقالت: هذا ومذاقه خير.
ــ
(ويقولون للرجل المضيع لأمره المتعرض لاستدراكه بعد فوته: الصيف ضيعت اللبن بفتح التاء والصواب أن يخاطب بكسرها وإن كان مذكراً، لأنه مثل والأمثال لا تغير وتحكى على أصل صيغتها وأولية وصفها).
كون الأمثال لا تغير إذا قصدت مما اتفق عليه أهل المعاني والأدب. وفي شرح "الفصيح" قال الأستاذ هذا يضرب مثلاً لمن فرط في طلب ما يحتاج إليه حتى فاته ثم يطلبه وهو بكسر التاء من ضيعت؛ لأن المثل أول ما وقع في مخاطبة امرأة، ثم أجرى على ذلك اللفظ ولم يغير. لأن الأمثال لا تغير، لأنها جاءت على معنى أنت
وإنما خص الصيف بالذكر لأنها كانت سألته الطلاق فيه، فكأنها يومئذ ضيعت اللبن.
وينخرط في هذا السلك ما أنشدته في أبيات المعاني [للراجز]:
(قالت له وهو بعيش ضنك
…
لا تكثري لومي وخلي عنك)
ومعناه أن هذا الرجل المخاطب كان يبذر في ماله، فإذا عذلته زوجته على إسرافه قال لها: لا تكثري لومي وخلي عنك، فلما نفد ماله وساءت حاله قالت له: أما تذكر قولك عند نصحي لك لا تكثري لومي وخلي عنك؟ وقصدت أن تندمه على إضاعة ماله فيالة رأيه.
ومن أوهامهم في هذا الفن أنهم ينشدون بيت "ذي الرمة":
ــ
وقال "أبو عبيدة": وكان "المفضل" يذكر حديثه فقال: صاحبه "عمرو بن عدس ابن زيد التميمي" وكانت تحته "دختنوس بنت لقيط بن زرارة" وكان ذا مال كثير إلا أنه كبير السن، فقلته، ولم تزل تسأله الطلاق حتى فعل، فتزوجها بعده "عمير بن معبد بن زرارة" ابن عمها، وكان شاباً معدماً، فمرت إبل "عمرو" ذات يوم "بدختنوس" فقالت لخادمتها: انطلقي فقولي له: يسقينا من اللبن فأبلغته فقال في جوابها: "الصيف ضيعت اللبن"
وقال "أبو عبيد البكري" تمام الحديث على ما رواه "ابن الأعرابي" أرسل لها
(سمعت الناس ينتجعون غيثا
…
فقلت لصيدح انتجعي بلالا)
فينصبون لفظة الناس على المفعول، ولا يجوز ذلك، لأن النصب يجعل الانتجاع مما يسمع، وما هو كذلك، وإنما الصواب أن ينشد بالرفع على وجه الحكاية؛ لأن "ذا الرمة" سمع قوماً يقولون: الناس ينتجعون غيثاً فحكى ما سمع على وجه اللفظ المنطوق به.
وفسر بعضهم قوله تعالى: {وتركنا عليه في الآخرين* سلام على إبراهيم} [الصافات: 78 - 79] أنه على الحكاية وأن المراد أن يقال له في الآخرين: سلام على إبراهيم، وتشهد هذه الأية باتفاق كافة أهل الملل على الإيمان بنبوته والتسليم عليه عند موته.
ــ
قلوصين ورواية من لبن، فأتاها الرسول .. وقال .. "أبو شريح": أرسل هذا ويقول لك: الصيف
…
الخ. فقالت. وكان "عمير" عندها وضربت بين كتفيه-: هذا ومذاقه خير. فأرسلتها مثلاً يضرب للشيء القليل الموافق لمحية الطبع لمحبة الطبع حتى يرجح على الكثير المخالف له.
كذا قال "أبو عبيدة": وأما "أبو عبيد معمر بن المثنى" فذكر أن "دخنتوس بنت لقيط" كانت تحت "عمرو بن عمرو بن عدس" وكان شيخاً أبرص، فوضع رأسه يوماً في حجرها وأغفى فسال لعابه، فانتبه فألفاها تتأفف أي تقول: أف أف. فقال لها: أيسرك أن أفارقك؟ قالت: نعم، فرقها، ونكحت شاباً وسيما من بني زرارة، ثم إن "بكر بن وائل" أغارت على بني "دارم" فأخذوها "دخنتوس" وقتلوا زوجها فأدركهم الحي فقتل "عمرو بن عمرو" ثلاثة منهم، وكان في السرعان، وسل منهم "دخنتوس" وجعلها أمامه وهو يقول:
(أي خليليك رأيت خيرا
…
ألعظم فيثة وأيرا)
(أم الذي يأتي العدو سيرا)
وردها إلى أهلها فتزوجت بآخر منهم، ثم أجدبوا فبعثت "دخنتوس" إلى "عمرو" تطلب منه حلوبة فقال: الصيف
…
الخ، فذهبت مثلا، فلما سمعته ضربت على منكب زوجها [وقالت]: هذا ومذاقه خير.
وذكر " أبو الفتح عثمان بن جني" قال: أنشدني شيخنا "أبو علي الفارسي" قول الشاعر:
(وتنادوا بالرحيل غدا
…
وفي ترحالهم نفسي)
فأجاز في الرحيل ثلاثة أوجه: الجر بالباء، والرفع والنصب على الحكاية، فحكاية الرفع كأنهم قالوا: الرحيل غدا، وحكاية النصب على تقدير قولهم: اجعلوا الرحيل غدا.
ــ
قال "أبو عبيدة": معناه أن سؤالك إياي الطلاق كان بالصيف فيومئذ ضيعت اللبن بالطلاق. وقال بعض الناس: معناه أن الرجل إذا لم يطرق ماشيته كان مضيعاً لألبانها حينئذ. وقال "ابن درستويه": العامة تقول: في الصيف ضيحت اللبن، وهو خطأ، وإنما الضياح من اللبن الخاثر الذي يمزج بالماء حتى يرق، يقال: ضيحت اللبن فهو مضيح ومضيح.
وذكر "أبو سليمان الخطابي" أن هذا المثل يروى: الصيف ضحيت اللبن بالحاء بدل العين من الضياح والضيح وهو اللبن الممذوق بالماء، يريد الصيف أفسدت اللبن وحرمته على نفسك. قال الأستاذ: يروى أيضاً الصيف ضييعت اللبن بفتح التاء كما حكاه "ابن الأنباري" في "الزاهر" عن "الفراء" ولم أره لغيره.
والصيف منصوب على الظرفية لضيعت واللبن مفعوله.
و"عدس" بفتح العين المهملة وضم الدال، وليس في الأعلام عدس مضمومها غيره.
ومما ذكر علمت أن ما أنكره المصنف مروي عن "الفراء".
(ومن أوهامهم في هذا المعنى أنهم ينشدون بيت "ذي الرمة":
(سمعت الناس ينتجعون غيثاً
…
فقلت لصيدح انتجعي بلالا)
وهذا من قصيدته التي مدح بها "بلالا بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري" وكان والياً على البصرة وبعد هذا قوله:
(تناخي عند خير فتى يمان
…
إذا النكباء عارضت الشمالا)
(وأبعدهم مسافة غور عقل
…
إذا ما الأمر ذو الشبهات عالا)
(وخيرهم مآثر أهل بيت
…
وأكرمهم وإن كرموا فعالا)
قيل: إنه- لما أنشده- قال: يا غلام مر له بعلف؛ لانه لم يعجبه مدحه بجعله مرعى للناقة، وهو نقد جيد.
(فينصبون لفظ الناس على المفعول ولا يجوز ذلك لأن النصب يجعل الانتجاع مما يسمع وهو ليس كذلك، وإنما الصواب أن ينشد بالرفع على وجه الحكاية).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يعني أن سمع إذا نصب اسم ذات غير مسموح نحو: سمعت زيداً يقول كذا، شرط النحويون أن يكون ما بعده مما يسمع، وهو محل الفائدة في صحة التعلق به، وهل "هي" حينئذ مما ينصب مفعولين أو مفعولاً واحداً؟ والجملة بدل أو حال أو صفة بعد النكرة؟ فيه اختلاف عندهم ليس هذا محله. والانتجاع لا يلائم السمع؛ لأنه التردد في طلب العشب والماء، وليس قولا [يتعلق به السماع] فيتعين حكايته إما بقول مقدر على مذهب من اشترط في الحكاية القول، أو بسمعت على خلافة.
أما ما ذكره المصنف فمردود بأنه قد سمع فيه النصب أيضاً كما حكاه "الرضي" وشارح أبيات "الإيضاح"، ولا بد له حينئذ من مسوغ، فذهب "الرضي" إلى أنه لا يشترط ذكر مسموع بعدها وأن اشترطه أكثري، وهذا من القليل الوارد على خلافه.
وقيل: الانتجاع طلب النجعة وهي مكان المطر إذا أجدبوا، والطلب إما بالسؤال وهو قول، أو بالتردد ذهاباً ومجيئأ وفيه حركات مسموعة، و"صيدح" اسم ناقة.
وقال المصنف: (بأتفاق كافة أهل الملل) استعمل فيه كافة على خلاف ما قدمه، فكأنه نسيه، أو الله أنطقه بالحق".