الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[78]- الفيء والظل
.
ويقولون: جلست في فيء الشجرة. والصواب أن يقال في ظل الشجرة كما جاء في الأثر مما أخبرنا به (أبو الحسين محمد بن علي السيرافي) الحافظ فيما قرأته عليه حدثنا القاضي (أبو محمد على بن أحمد بن بشر) قال: حدثنا (محمد بن يوسف البيع) قال [حدثنا عبد الله بن محمد بن عمر الثقفي] قال حدثنا (سعيد بن عامر الضبعي) قال حدثنا (محمد بن عمرو) عن (أبي سلمة) عن (أبي هريرة) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها اقرؤا إن شئتم {وظل ممدود} ". والعلة فيما ذكرنا أن الفئ سمي بذلك لأن فاء عند زوال الشمس من جانب إلي جانب، أي رجع، ومعنى
ــ
(ويقولون: جلست في فئ الشجرة، الصواب أن يقال: في ظل الشجرة).
الفرق بين الظل والفئ، وإن ذهب إليه بعض اللغويين، فهما يستعملان بمعنى. إما لترادفهما كما هو مذهب في اللغة، أو على التوسع والتسمح، ولهذا قال في (الحواشي): إن الفئ- وإن كان على ما ذكره المصنف- لا يمتنع أن يقع موقع الظل حيث كان ظلاً يستظل به، فيقال: فعدت في فئ الشجرة أي ظلها، وعليه قول (الجعدي) في أهل الجنة:
(فسلام الإله يغدو عليهم
…
وفيوء الفردوس ذات الظلال)
فأوقع الفئ موقع الظل، وإن كان الفئ أخص منه. ألا ترى أن الجنة لا شمس فيها حتى يكون فيها فئ؟
الظل الستر. ومنه اشتقاق المظلة لأنها تستر من الشمس، وبه أيضاً سمي سواد الليل ظلاً لأنه يستر كل شئ. فكان اسم الظل يقع على ما يستر من الشمس وعلى ما لا تطلع عليه، وذرى الشجرة ينتظم هذين الوصفين، فانتظمه اسم الظل واشتمل نطاقه عليه، فأما قوله عليه الصلاة والسلام:(والسلطان ظل الله في أرضه) فالمراد به ستره السابغ على عباده، المنسدل على بلاده، ومن سنة العرب أن تضيف كل عظيم إليه جلت قدرته، كقولهم للكعبة: بيت الله وللحاج: وفد الله، فأما قول الراجز:
كأنما وجهك ظل من حجر ..
فقيل: الرماد به سواد الوجه، وقيل: بل كنى به عن الوقاحة وقد فصل بعضهم أنواع الاستظلال، فقال: استظل من الحر، واستذري من البرد، واستكن من المطر.
ــ
وفي فصيح (ثعلب): الظل بالغداة والفئ بالعشي. قال (حميد بن ثور):
(فلا الظل من برد الضحى نستطيعه
…
ولا الفئ من برد العشي يروق)
لأنه من فاء إذا رجع، فهو الظل الراجح من جانب المغرب غلي جانب المشرق، وأصل الظل مطلق الستر فلهذا أطلق على ظلام الليل وظل الجنة، وفي كتاب (الظاء)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
(للقزويني): ظل الليل سواده، يقال: أتاني في ظل الليل، وهو استعارة، وقد اعترض على استشهاده بالبيت السابق بأن تفرقته ليس لما ذكره بل للتعين والهرب من ظاهر التكرار، والدليل على أن الظل يكون بالعشي قول (امري القيس):
.. يفيض عليها الظل عرمضها الطامي
وأما حديث (السلطان ظل الله في أرضه) فقد قيل في تفسيره: إن الظل هو النعمة، وقيل: الحفظ، وقيل: الهيبة، وقيل: استعارة، ووجه التشبيه أن ظل الشئ يحكيه ويناسبه في الجملة، والسلطان كذلك فإنه ينتظم بوجوده مملكته كما ينتظم بالحق- جل عن الشبيه والنظير- سلسلة الممكنات، ولأن الظل يتنعم به ويلتجأ إليه عند اضطرام شرر الشر، ويناسبه قوله في الحديث: يأوي إليه كل مظلوم.
وقوله: (أستذرى) بالذال المعجمة من الذرى وهو كناية عن الكن