الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[39]- مشئوم لا مشوم
ويقولون: هو مشوم، والصواب أن يقال: مشئوم بالهمز، وقد شئم إذا صار مشئوما، وشأم أصحابه إذا مسهم شؤم من قبله، كما يقال في نقيضه: يمن، إذا صار ميمونا، ويمن أصحابه إذا أصابهم يمنه، واشتقاق الشؤم من الشأمة وهي الشمال، وذاك أن العرب تنسب الخير إلى اليمين والشر إلى الشمال، ولهذا تختار أن تعطي بيمينها وتمنع بشمالها، وعليه فسر قوله تعالى:{إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين} [الصافات: 28]، أي تصدوننا عن فعل الخير وتحولون بيننا وبينه، ومن كلام العرب فلان عندي باليمين، أي بالمنزلة الحسنة، وفلان عندي بالشمال، أي بالمنزلة الدنية، وإلى هذا المعنى أشار الشاعر بقوله:
(أبيني أفي يمنى يديك جعلتني
…
فأفرح أم صيرتني في شمالك)
ــ
(ويقولون: مشوم) بميم مفتوحة ثم شين مضمومة ثم واو ساكنة تليها الميم بزنة مقول.
(والصواب مشئوم بالهمز بعد الشين الساكنة على وزن مضروب، وقوله الصواب ليس بصواب؛ فإن ما قالوله ليس بخطأ، وإن كان خلاف الأفصح، لأن نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها ثم حذفها مقيس، وقد سمع هذه الكلمة كما ورد في قول "العباس بن الأحنف":
"جسدي مبتلى بقلب مشوم"
وفي الشعر القديم المشهور عند أهل العربية:
وقيل: إنه أراد أجعلتني مقدما عندك أم مؤخرا؟ لأن عادة العرب أن تبدأ باليمين فإذا أكملت عدة الخمسة وثنت عليها الخمس من اليمين، نقلت العدد إلى الشمال.
ومما يكنى عنه بالشمال قولهم للمنهزم: نظر عن شماله، ومنه قول الحطيئة:
(وفتيان صدق من عدي كأنهم
…
صفائح بصرى علقت بالعوائق)
(إذا فزعوا لم ينظروا عن شمالهم
…
ولم يمسكوا فوق القلوب الخوافق)
(وقاموا إلى الجراد الجياد فألجموا
…
وشدوا على أوساطهم بالمناطق)
ــ
(إن من صاد عقعقا لمشوم
…
كيف من صاد عقعقان وبوم)
فالأصل مشئوم على وزن مفعول، ومشوم مخفف منه، والعامة تقول: ميشوم بياء بعد الميم وهو لحن قبيح.
وقوله (وشأم أصحابه إذا مسهم شؤم من قبله) وهذا يقتضى أن "مشئوم" قد يكون مفعولا بمعنى قاعل، كحجابا مستورا بمعنى ساتر، عكس ماء دافق بمعنى مدفوق، لأنه
واختلف المفسرون في تأويل {أصحاب الميمنة} و {أصحاب المشأمة} [البلد: 18، 19] فقيل: كني بالفريقين عن أهل السعادة وأهل الشقاوة، وقيل: بل المراد بأصحاب الميمنة المسلوك بهم يمنة إلى الجنة، وأصحاب المشأمة المسلوك بهم شأمة إلى النار، وقيل: إن أصحاب الميمنة هم الميامين على أنفسهم، وأصحاب المشأمة هم المشائيم عليها، والمشائيم جمع مشئوم، ومنه قول الشاعر:
ــ
يقال: شأمهم وشأم عليهم إذا لحقهم الشؤم من قبله، وقد قال "الشريف المرتضى" في "الدرر والغرر": إنه مطعون فإن العرب لا تعرفه وإنما هو من كلام أهل الأمصار، وإنما تسمي العرب من حفه الشؤم مشئوما كما في قول "علقمة بن عبدة":
(ومن تعرض للغربان يزجرها
…
على سلامته لا بد مشئوم)
(ومنه قول الشاعر:
(مشانيم ليسوا مصلحين عشيرة
…
ولا ناعب إلا ببين غرابها)
وللنحويين كلام في جر ناعب.
هذا الذي سماه النحاة عطف التوهم، ومعناه أن يجري في موضع إعرابان فيعرب بأحدهما ويعطف عليه باعتبار الآخر كما هنا؛ فإن ليس يجر خبرها بالباء الزائدة كثيرا، فإذا نصب فقد يعطف عليه مجرور نظرا لحالته الأخرى، وأما عطف المنصوب على المجرور فهو المعطوف على الموضع، ومن قصيدة لي:
(مررت على ربع الأحبة دارسا
…
ففاح به عرف الحديث المنمنم)
(مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة
…
ولا ناعب إلا ببين غرابها)
وللنحويين كلام في جر ناعب، وخلاصته أن الشاعر توهم دخول الباء في مصلحين ثم عطف عليه كما أخذ "زهير" بمثل ذلك في قوله:
(بدا لي أني لست ما مضى
…
ولا سابق شيئا إذا كان جانيا)
فجر لفظة سابق لتوهمه دخول الباء في مدرك المعطوف عليه
ــ
(وذكرنا عهد الصبابة والصبا
…
هديل حمام في الربا مترنم)
(فقلت لخلي: عج بنا ساعة عسى
…
يحدثنا رسم الهوى المتقدم)
(فعجنا له عطفا على موضع به
…
هوانا، فكان العطف عطف التوهم)
والبيت المذكور "للأحوص الرياحي" وهو من شواهد "الكتاب"، وقبله:
(أليس بيربوع إلى العقل فاقة
…
ولا دنس تسود منه ثيابها)
(فكيف بنوكي مالك إن عقرتم
…
لهم هذه أم كيف بعد سبابها؟ )
(فإن أنتم لم تقتلوا بأخيكم
…
فكونوا بغايا بالأكف غيابها)
(ستخبر ما أحدثتموا في أخيكم
…
رفاق من الآفاق شتى إيابها)
مشائيم
…
البيت.
وقد قيل في حرب وقعت بين بني "يربوع" وبني "دارم"، فقتل من بني "غدانة" رجل يقال له "أبو بدر" فقالت "بنو يربوع": لا نبرح حتى نأخذ بثأرنا، ولم يعلم القاتل، فأقبلوا يتفاوضون في أمر الدية، فقال "الأحوض" هذه القصيدة في ذلك.
والإياب: الرجوع، والمآب: المرجع.
يقول: سيأتي حديثكم الموسم وفيه يجتمع الرفاق من كل ناحية، فإذا رجعوا تفرقوا،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهو معنى قوله شتى إيابها، أي إذا رجعت تفرقت في كل وجه فتنقل ما تسمعه من قبيح صنعكم إلى من لم يسمعه.
وقوله: "ولا ناعب إلا بشؤم غرابها" مثل كما يقال: هو مشئوم الطائر لمن هو مشئوم في نفسه.
وقوله:
(بدا لي أني لست مدرك ما مضى
…
ولا سابق شيئا إذا كان جائيا)
هو من شعر "زهير" في ديوانه، إلا أنه روي فيه: ولا سابقي بإضافته إلى ياء المتكلم ورفع شيء، فعليه لا شاهد فيه، وقوله:
(كأني وقد خلفت سبعين حجة
…
خلعت بها عن منكبي ردائيا)