الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[55]- قولهم: أزمعت المسير
ويقولون: أزمعت على المسير، ووجه الكلام: أزمعت المسير كما قال «عنترة» :
(إن كنت أزمعت المسير فإنما
…
زمت ركابكم بليل مظلم)
وفي معنى أزمعت لفظة أجمعت، إلا أنه يجوز في أجمعت خاصة تعديتها بنفسها وبلفظة على، فيقال: أجمعت الأمر وأجمعت عليه، وفي «القرآن»:{فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ} ، وسئل عن وجه انتصاب لفظة وشركاءكم إذ العطف ممتنع هنا، لأنه لا يقال: أجمعت شركائي، وأجيب عنه بجوابين:
ــ
(ويقولون: أزمعت على المسير، ووجه الكلام: أزمعت السير)
في «تهذيب الأزهري» يقال: هو الشجاع إذا أزمع الأمر لم ينثن عنه والمصدر الزماع، وأثبت أبو عبيد. عن «الكسائي»: أزمعت الأمر وأنكر أزمعت عليه [و «شمر» وغيره يجيز أزمعت عليه. اهـ]. وقال «ابن بري» : أجاز «الفراء» أزمعت الأمر وعلى الأمر، وأما «الكسائي» فلم يجز إلا أزمعت الأمر، والحجة «للفراء» أن الأفعال قد يحمل بعضها على بعض إذا تقاربت معانيها، كقوله تعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فتنة} فعدى خالف بعن من جهة أن المخالفة خروج عن الطاعة، وكذا الإزماع هو المضي في الأمر والعزم عليه. وقد قال بعض أهل اللغة: أزمع الأمر وعليه وبه بمعنى، وكذا قال «الفراء» وكذا عزمت الأمر وعزمت عليه عنده [كما قال عنترة
أحدهما: إذا انتصب انتصاب المفعول معه فتكون الواو بمعنى «مع» لا أنها واو العطف ويكون تقدير الكلام اجتمعوا مع شركائكم على تدبير أمركم. والجواب الثاني: أنه انتصب على إضمار فعل حذف لدلالة الحال عليه، وتقديره. لو ظهر. وادعوا شركاءكم فتكون الواو على هذا القول قد عطفت فعلا مضمراً على فعل مظهر، كما قال الشاعر:
(ورأيت زوجك في الوغا
…
متقلداً سيفاً ورمحاً)
والرمح لا يتقلد به، وإنما تقديره وحاملاً رمحاً. ويضاهي لفظة أجمعت في تعديتها بنفسها تارة وبحرف الجر أخرى لفظة عزمت فيقال عزمت على الأمر وعزمته كما قال عز وجل:{وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} .
ــ
(إن كنت أزمعت المسير فإنما
…
زمت ركابكم بليل مظلم)
هو لعنترة من معلقته المشهورة، وروي بدل المسير الفراق، والرحيل، وزمت بمعنى شدت بالأزمة، والركاب يختص بالإبل. وقال «ابن كيسان»: يقال هذا أمر أسري عليه بليل إذا أحكم، وإنما خص الليل لأنه وقت صفاء الأذهان. (ويسأل عن وجه انتصاب لفظة وشركاءكم، إذ العطف يمتنع هنا لأنه لا يقال: أجمعت شركائي، وقد أجيب عنه بجوابين: أحدهما، أنه انتصب انتصاب المفعول معه فتكون الواو بمعنى مع لأنها واو العطف، ويكون تقدير الكلام اجتمعوا مع شركائكم على تدبير أمركم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والجواب الثاني، أنه انتصب على إضمار فعل حذف لدلالة الحال عليه وتقديره لو ظهر: وادعوا شركاءكم). هذا كله على تقدير قطع همزة أجمعوا، وقد قرى بوصلها أيضاً من جمع وهو مشترك بين المعاني والذوات بخلاف أجمع فإنه مختص بالمعاني حتى وجه «ابن هشام» الآية على قراءة القطع بتقدير مضاف أي وأمر شركائكم أو فعل، أي واجمعوا شركاءكم بالوصل إلى أن قال: وموجب التقدير أن أجمع لا يتعلق بالذوات بل بالمعاني، بخلاف جمع فإنه مشترك بينها وفي «عمدة الحفاظ» حكاية القول بأن أجمع أكثر ما يقال في المعاني وجمع في الأعيان. فيقال أجمعت أمري وجمعت قومي. وقد يقال بالعكس فعلى هذا لا تحتاج الآية إلى تقدير. وفي «المحكم» أنه يقال: جمع الشيء عن تفرق يجمعه جمعاً وأجمعه، فإذا ثبت أن أجمع بمعنى جمع صح العطف وخرجت الآية عن أن تكون مثالا لهذه المسألة، إذ تالي الواو فيها وهو «شركاءكم» يليق به الفعل المذكور وهو أجمع، فيكون همزته همزة وصل، لكن هذا مبني على استعمال المشترك في معنييه جميعاً؛ إذ أجمع مشترك بين العزم وضم المتفرق، فباعتبار تسليطه على الأمر يكون مراداً به المعنى [الأول وباعتبار تسليطه على الشركاء يكون مراداً به المعنى] الثاني، وفيه نظر. ووقع في الحديث «فأجمعهم على قتالنا» قال «حواشي السيرة» يقال: جمع في الأجرام جمعاً، نحو جمع ماله. وفي المعاني نحو جمع كيده، وأجمع في المعاني خاصة، نحو «فأجمعوا أمركم» هكذا يقول أهل اللغة، وعلى هذا يشكل قوله «فأجمعهم على قتالنا» فإن صح لفظ الحديث كذا وجب تأويله على حذف مضاف أي فأجمع رأيهم. اهـ. ويعلم ما فيه مما مر. وفي «تهذيب الأزهري» قال «الفراء»: الإجماع: الإعداد والعزيمة على الأمر، ونصب
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الشركاء في الآية بفعل مضمر أي وادعوا شركاءكم. قال: وكذلك هي قراءة «عبد الله» وأنشد:
(ياليت شعري والمنى لا تنفع
…
هل أغدون يوماً وأمري مجمع)
قال القراء: إذا أردت جمع المتفرق قلت: جمعت القوم فهم مجموعون كما قال تعالى: {يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ} وإذا أردت جمع المال قلت جمعت ويجوز تخفيفه، وقال «أبو إسحاق»: الذي قاله «الفراء» : غلط في إضماره «وادعوا شركاءكم» لأن الكلام لا فائدة فيه لأنهم كانوا يدعون شركاءهم لأن يجمعوا أمرهم قال: والمعنى فأجمعوا أمركم مع شركائكم وإذا كان الدعاء لغير شيء فلا فائدة فيه. قال: والواو بمعنى مع، كقولك: تركت الناقة وفصيلها لترضعه، أي مع فصيلها. قال: ومن قرأ «فأجمعوا أمركم» بألف موصولة، فإنه يعطف شركاءكم على أمركم، ويجوز: فاجمعوا مع شركائكم أمركم. قال «الأصمعي» : جمعت الشيء إذا جئت به من هنا ومن هنا، وأجمعته إذا صيرته جميعاً. قال «أبو ذؤيب»: وأولات ذي العوجاء نهب مجمع. وقال «الفراء» في قوله تعالى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ} : الإجماع الإحكام والعزيمة على الشيء. تقول: أجمعت الخروج وأجمعت على الخروج. ومن قرأ فاجمعوا فمعناه: لا تدعوا من كيدكم شيئاً إلا جئتم به.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وعن «أبي الهيثم» أنه قال: أجمع أمره جعله جمعياً بعدما كان متفرقاً، وتفرقته أنه يقول مرة أفعل كذا ومرة أفعل كذا، فلما عزم على أمر محكم أجمع على جعله جميعا. قال: كذلك قال بعضهم. قال: ويقول: جمعت. أمري، والجمع أن يجمع شيئاً إلى شيء، والإجماع أن يجعل الشيء المتفرق جميعا كالرأي المعزوم عليه. اهـ. (فيكون الواو على هذا القول قد عطفت فعلاً مضمراً على فعل مظهر كما قال الشاعر:
(ورأيت زوجك في الوغى
…
متقلداً سيفاً ورمحا)
هذا أصل من أصول العربية، وفيه طرق: إحداها التقدير، وهو الطريق الذي ذكره المصنف، والثانية أن يضمن العامل المذكور معنى عامل آخر كحامل هنا، أو يتجوز به [عنه، والثالثة أن لا يقدر ولا يؤول ويدعي أنه من المشاكلة] وهذا ذكره «الثعالبي» في بعض كتبه، وله تفصيل. وفيه فوائد ذكرناها في كتابنا «طراز المجالس» .