الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[152]- قولهم: أعمل بحسب ذلك
ويقولن اعمل بحسب ذلك بإسكان السين، والصواب فتحها لتطابق معنى الكلام، لأن الحسب بفتح السين هو الشيء المحسوب المماثل معنى المثل والقدر، وهو المقصود في هذا الكلام، فأما الحسب بإسكان السين فهو الكفاية ومنه قوله تعالى:{عطاء حسابا} [النبأ: 36] أي كافياً، وليس المقصود به هذا المعنى، وإنما المراد اعمل على قدر ذلك.
ويناسب هاتين اللفظتين في اختلاف معنييهما باختلاف هيئة أوسطهما قولهم: الغبن والغبن، والميل والميل، والوسط والوسط، والقبض والقبض، والخلف والخلف، وبين كل لفظتين من هذه الألفاظ المتجانسة فرق يمتاز معناهما فيه بحسب إسكان وسطهما وفتحه.
فالغبن بإسكان الباء يكون في المال وبالفتح يقع في العقل والرأي، والميل
ــ
(الحسب بفتح السين هو الشيء المحسوب المماثل معنى المثل والمقدار وهو المقصود في هذا الكلام).
فأما الحسب بإسكان السين فهو الكفاية ومنه قوله تعالى: {عطاء حساباً} أي كافياً.
في "الصحاح" ليكن عملك بحسب ذلك أي على قدره من قولهم للمعدود: حسب، وهو فعل بمعنى مفعول كنقض بمعنى منقوض، وربما سكن في ضرورة، ولم يخصه غيره بالضرورة، وفي "الدرر والغرر""للشريف المرتضى" ما يشهد بأن في الحساب معنى المكافأة، لقوله عز وجل:{عطاء حسابا} أي عطاء كافيا، ويقال: احسبني الطعام ويحسبني إحساباً إذا كفاني، قال الشاعر:
(وإذ لا ترى في الناس حسنا يفوتها
…
وفي الناس حسنٌ لو تأملت محسب)
[أي كاف].
بإسكان الياء من القلب واللسان وبفتحها يقع فيما يدركه العيان، والوسط بالإسكان ظرف مكان يحل محل لفظة بين، وبه يعتبر، والوسط بالفتح اسم يتعاقب عليه الإعراب [لكل واسطة من جميع الأشياء]، ولهذا مثل النحويين فقالوا: يقال وسط رأسه دهن ووسط رأسه صلب، والقبض بإسكان الباء مصدر قبض وبفتحها اسم الشيء المقبوض، وأما الخلف والخلف فعند أكثر أهل اللغة أن الخلف بإسكان اللام من الطالحين وبفتحها من الصالحين، وأنشدت "لأبي القاسم الآمدي" في مرثية "غرة خلف عرة":
(خلفت خلفا ولم تدع خلفاً
…
ليت بهم كان لابك التلف)
وقيل فيهما: إنهما يتداخلان في المعنى ويشتركان في صفة المدح والذم،
ــ
(فالغبن بإسكان الباء يكون في المال، وبالفتح يقع في العقل والرأي).
هذا مما ذهب إليه بعض اللغويين، وأنشد "ابن الشجري" في أماليه قول "عدي بن زيد":
(لم أر مثل الأقوام في غبـ
…
ـن الأيام ينسون ما عواقبها)
وقال: فيه دليل على أن الغبن بفتح الباء يكون في البيع، والأغلب أن يستعمل في الرأي ويسكن في البيع. اهـ.
وفي "القاموس": غبنه في البيع يغبنه غبناً ويحرك، أو بالتسكين في البيع وبالتحريك في الرأي أي خدعه. فما ذكره المصنف ليس بمتعين.
(والميل بإسكان الياء في القلب واللسان وبفتحها فيما يدركه العيان).
قال "ابن بري": الميل يكون في القلب واللسان وفي غيرهما، يقال: مال عن
فيقال: خلف صدق وخلف سوء، والشاهد عليه قول "المغيرة بن حبناء التميمي":
(فنعم الخلف كان أبوك فينا
…
وبئس الخلف خلف أبيك فينا)
وقال بعضهم: إن الخلف بفتح اللام من غلف في إثر من مضى، والخلف بإسكان اللام اسم لكل قرن مستخلف، وعليه فسر قوله تعالى:{فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة} [مريم: 59]، وعليه يؤول قول "لبيد"
([ذهب الذين يعاش في أكنافهم]
…
وبقيت في خلف كجلد الأجرب
…
)
يعني به القرن الذي عاصره آخر عمره.
ــ
الحق وعن الطريق ميلاً، وكذلك مال عليه في الظلم، ومال الشيء أيضاً ميلاً، وأما الميل بالتحريك فهو مصدر مال الشيء إذا اعوج خلقه، فالميل بالسكون عام في المحسوس وغيره، وبالتحريك خاص بالخلقي وقيل: يشمل كل مشاهد ثابت كميل البناء، ففي كلام المصنف ميل عن سنن الصواب، إلا أن يقال: إن قوله في القلب واللسان كناية عن الأمور المعنوية، وما يدركه العيان كناية عن الخلقية، وفي "القاموس" الميل محركة ما كان خلقة وقد يكون في البناء.
(والوسط بالإسكان ظرف مكان يحل محل لفظة بين وبه يعتبر، والوسط بالفتح اسم
وحكى "أبو بكر بن دريد" قال: سمعت "الرياشي" يفصل بين قولهم: أصابهم سهم غرب بفتح الراء وسهم غرب بإسكان الراء، وقال: المعنى في الفتح أنه لم يذر من رماه، وفي الإسكان أنه رمي غيره فأصابه، ولم يميز بين اللفظتين سواه.
ــ
يتعاقب عليه الإعراب ولهذا مثل النحويون له فقالوا: يقال وسط رأسه دهن ووسطه صلب).
في شرح "الفصيح" للإمام "المرزوقي": النحويون يفصلون بينهما فيقولون: وسط بالتسكين لما أحاط به جوانب من جنسه، تقول: في وسط رأسه دهن ووسط رأسه صلب، وربما قالوا: إذا كان أجزاء الكلام أولاً فاجعله وسطاً بالتحريك وإلا فسكنه.
وحكى "الأخفش" أن وسطاً قد ورد مبتدأ خارجاً عن الظرفية في شعر أنشده، والمصنف راعى أن وسطاً إن كان بعض ما أضيف إليه تحرك السين وإن كان غيره يسكن؛ ألا ترى أن وسط الرأس والدار بعضها ووسط القوم غيرهم؟
وأما تفسيره ببين فبين لشيئين متباينين ووسط لشيئين يتصل أحدهما بالآخر، تقول: وسط الحصير قلم ولا تقول: بين الحصير قلم. اهـ.
والفرق بينهما على ما ذكره المصنف من وجهين:
أحدهما: أن ذا السكون ظرف مكان غير متصرف فلا يأتي إلا منصوباً على الظرفية، وذا الفتح متصرف يتعاقب عليه حركات الإعراب، وهذا في المطر دون النادر، لما في "الارتشاف" من أنه يتصرف نادراً، وكذا في "عمدة الحفاظ".
وثانيهما: أن ذا السكون يحل محل بين بخلاف ذي الفتح كما أشار إليه بقوله: "وبه يعتبر" أي بهذا الحلول يعتبر الإسكان فإن كان كان وإلا فلا. وهذا أكثري أيضاً، كما في "الصحاح" حيث قال: وكل موضع صلح فيه بين فهو وسط وإن لم يصلح فيه فهو وسط بالتحريك، وربما سكن. اهـ. وليس بالوجه، وعن الكوفيين كما نقله "أبو حيان" أنه لا فرق بينهما ويحيلونهما ظرفين، وعن بعضهم كما في "التقريب" أنه سوى بينهما فقال: هما ظرفان واسمان.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وعن "الراغب" أن وسط الشيء بالفتح ما له طرفان مستويا القدر، ويقال ذلك في الكمية المتصلة كالجسم الواحد، نحو وسطه صلب، ووسط بالسكون يقال في الكمية المنفصلة كشيء يفصل بين جسمين نحو وسط القوم كذا.
وعن "ثعلب" أن ما كان ذا أجزاء تنفصل قلت فيه: وسط بالسكون، وما كان مصمتاً بلا أجزاء تتفرق قلت فيه: وسط بالفتح، وسط بالفتح، فمن الأول على ما نقل عنه: اجعل هذه الياقوتة وسط العقد وهذه الخرزة وسط السبحة ولا تقعد وسط القوم، ومن الثاني: احتجم وسط الرأس وصال وسط الصف، وعلى هذا القول يكون الوسط الساكن الوسط مستعملاً تارة حيث يحل محل بين نحو لا تقعد وسط القوم، وأخرى حيث لا يحل محلها نحو: اجعل هذه الياقوتة وسط العقد وهذه الخرزة وسط السبحة بخلافه على قول المصنف.
وقوله: (ولهذا مثل النحويون إلى آخره) إشارة إلى أن الإسكان في المثال الأول والفتح في الثاني لظرفية ذي السكون، ومن ثم نصب على الظرفية، واسمية ذي الفتح، ومن ثم رفع بالابتداء، وإلى أن تمثيل النحويين بذلك لذلك، ولم يرد أن تمثيلهم به لذلك لحلول ذي السكون محل بين في الأول دون الثاني أيضاً، وإن كان ذلك على وفق ما له من وجهي الفرق كليهما لعدم حلوله محله فيهما جميعاً.
"تتمة"
في "الكشاف" قيل للخيار: وسط؛ لأن الأطراف يتسارع إليها الخلل والأوساط محوطة محمية، كما قال "الطائي":
(كانت هي الوسط المحمي فاكتنفت
…
بها الحوادث حتى أصبحت طرفا)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وفي "الروض الأنف": الوسط وصف مدح في مقامين في النسب؛ لأن أوسط القبيلة صميمها وأعرقها فهو أجدر أن لا يضاف إليه الدعوى في الشهادة كقوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} [البقرة: 143] وهذا غاية العدالة كأنه ميز أن لا يميل مع أحد.
وظن قوم أن الأوسط الأفضل على الإطلاق ففسروا الصلاة الوسطى بالفضلى، وليس كذلك، فإنه ليس بمدح ولا ذم كما يقتضيه لفظ التوسط، غير أنهم قالوا في المثل:"أثقل من مغن وسط" على الذم؛ لأنه كما قال "الجاحظ": يجثم على القلب ويأخذ بالأنفاس؛ لأنه ليس بجيد فيطرب ولا بردى فيضحك، وهو تحقيق حقيق بالقبول ولا ينافيه قولهم: خير الأمور الوسط، حب التناهي غلط.
ثم إن المصنف ذكر ما يختلف معناه بالفتح والسكون كالخلف والخلف، وقد تقدم تحقيقه مفصلا.
[و (غرة) بالغين المعجمة الخيار وبالمهملة الأشرار وهو ظاهر].