الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
607 -
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي كَنْزٍ وَجَدَهُ رَجُلٌ فِي خَرِبَةٍ:«إنْ وَجَدْته فِي قَرْيَةٍ مَسْكُونَةٍ فَعَرِّفْهُ، وَإِنْ وَجَدْته فِي قَرْيَةٍ غَيْرِ مَسْكُونَةٍ فَفِيهِ وَفِي الرِّكَازِ الخُمُسُ» . أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
(1)
المسائل والأحكام المستفادة من الحديث
مسألة [1]: موضع الركاز
.
قال ابن قدامة رحمه الله: وَلَا يَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَجِدَهُ فِي مَوَاتٍ، أَوْ مَا لَا يُعْلَمُ لَهُ مَالِكٌ، مِثْلُ الْأَرْضِ الَّتِي يُوجَدُ فِيهَا آثَارُ الْمُلْكِ، كَالْأَبْنِيَةِ الْقَدِيمَةِ، وَالتُّلُولِ، وَجُدْرَانِ الْجاهِلِيَّةِ، وَقُبُورِهِمْ، فَهَذَا فِيهِ الْخُمْسُ بِغَيْرِ خِلَافٍ، سِوَى مَا ذَكَرْنَاهُ يعني خلاف الحسن المتقدم.
قال: وَلَوْ وَجَدَهُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ عَلَى وَجْهِهَا، أَوْ فِي طَرِيقٍ غَيْرِ مَسْلُوكٍ، أَوْ قَرْيَةٍ خَرَابٍ، فَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْحُكْمِ؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ. فذكر حديث الباب.
قال أبو عبد الله غفر الله له: وإن وجده في طريق مسلوك؛ ففيه خلاف بين أهل
(1)
حسن. لم يخرجه ابن ماجه، بل أخرجه الشافعي في «مسنده» (1/ 248 - 249)، وأبوداود (1710)، والنسائي (5/ 44)، من طرق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بنحوه، ولفظ الشافعي:«إن وجدته في قرية مسكونة أو في سبيل ميتاء فعرفه، وإن وجدته في خربة جاهلية أو في قرية غير مسكونة ففيه وفي الركاز الخمس» . وإسناده صحيح إلى عمرو بن شعيب. والحديث حسن؛ لأن سلسلة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده سلسلة حسنة، والله أعلم. ومعنى «الميتاء» التي يأتيها الناس ويسلكونها.
العلم؛ فمذهب الشافعية والحنابلة أنه لقطة، ومذهب المالكية أنه ركاز، والأول هو الصحيح لدلالة حديث الباب عليه.
الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَجِدَهُ فِي مِلْكِهِ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ، فَهُوَ لَهُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَالُ كَافِرٍ مَظْهُورٌ عَلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ، فَكَانَ لِمَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ كَالْغَنَائِمِ، وَلِأَنَّ الرِّكَازَ لَا يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ، لِأَنَّهُ مُودَعٌ فِيهَا، وَإِنَّمَا يُمْلَكُ بِالظُّهُورِ عَلَيْهِ، وَهَذَا قَدْ ظَهَرَ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَمْلِكَهُ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: هُوَ لِلْمَالِكِ قَبْلَهُ إنْ اعْتَرَفَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ فَهُوَ لِلَّذِي قَبْلَهُ كَذَلِكَ إلَى أَوَّلِ مَالِكٍ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ كَانَتْ يَدُهُ عَلَى الدَّارِ، فَكَانَتْ عَلَى مَا فِيهَا.
ثم قال ابن قدامة رحمه الله: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ -إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى- لِأَنَّ الرِّكَازَ لَا يُمْلَكُ بِمِلْكِ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَجْزَائِهَا وَإِنَّمَا هُوَ مُودَعٌ فِيهَا. اهـ
قلتُ: وما صححه ابن قدامة هو الصواب إن شاء الله، وهو قول أبي يوسف، وبعض المالكية، والله أعلم.
ومذهب الشافعي، هو قول المالكية، والحنفية أيضًا.
تنبيه: إن ملك الأرض بالإحياء؛ فالكنز له عند أهل العلم، وهو ركاز عليه فيه الخمس، وألحق الشافعية ما ملكه بالإقطاع، وألحق المالكية ما ملكه بالإرث.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَجِدَهُ فِي مِلْكِ آدَمِيٍّ مُسْلِمٍ مَعْصُومٍ.
فذكر ابن قدامة أقوالا مختصرها:
• أنَّ المال لصاحب الدار، وهو قول أبي حنيفة، ومحمد بن الحسن، وأحمد في رواية.
• أنَّ المال لواجده، وهو رواية عن أحمد، والحسن بن صالح، وأبي ثور، وأبي يوسف، وذلك لأنَّ الرِّكاز لا يملك بملك الدار كما تقدم.
• وقال الشافعي: هو لمالك الدَّار إن اعترف به، وإن لم يعترف به، فهو لأول مالك؛ لأنه في يده.
• إن استأجر حفَّارًا ليحفر له طلبًا لكنز يجده فوجده؛ فلا شيء للأجير، ويكون الواجد له هو المستأجر، وإن كان استأجره لأمر غير طلب الركاز؛ فالواجد له هو الأجير وهو له، وهذا قول الأوزاعي، وجماعة من الحنابلة.
واختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، وهو الصواب إن شاء الله، ولا يتنافى هذا القول مع القول الثاني؛ فتأمل.
الْقِسْمُ الرَّابِعُ: أَنْ يَجِدَهُ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ؛ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ إلَّا بِجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ فَهُوَ غَنِيمَةٌ لَهُمْ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ؛ فَهُوَ لِوَاجِدِهِ، حُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ وَجَدَهُ فِي مَوَاتٍ فِي أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: إنْ عُرِفَ مَالِكُ الْأَرْضِ، وَكَانَ حَرْبِيًّا، فَهُوَ غَنِيمَةٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ فِي حِرْزِ مَالِكٍ مُعَيَّنٍ؛ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَخَذَهُ مِنْ بَيْتٍ أَوْ خِزَانَةٍ.
قال ابن قدامة رحمه الله: وَلَنَا أَنَّهُ لَيْسَ لِمَوْضِعِهِ مَالِكٌ مُحْتَرَمٌ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يُعْرَفْ مَالِكُهُ.
قلتُ: والقول الأول أرجح، لما ذكره ابن قدامة رحمه الله، وهو قول أبي ثور، وأبي يوسفٍ أيضًا، والله أعلم بالصواب.
(1)
(1)
وانظر: «المغني» (4/ 232 - 235)، «المجموع» (6/ 38 - )، «شرح منتهى الإرادات» (1/ 400)، «الفواكه الدواني» (1/ 349)، «الموسوعة الفقهية الكويتية» (23/ 105 - )، «الحاوي الكبير» (3/ 341).