الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْل فِي ذِكْرِ بَعْضِ المَسَائِلِ المُلْحَقَة
مسألة [1]: من كان عليه دين ينقص النصاب الذي عنده، هل عليه زكاة، أم لا
؟
• ذهب جماعةٌ من أهل العلم إلى أنَّ الدَّين يمنع الزكاة، وهو قول عطاء، وسليمان بن يسار، وميمون، والحسن، والنخعي، والليث، ومالك، والثوري، والأوزاعي، وإسحاق، وأحمد، وأبي ثور، وأصحاب الرأي، والشافعي في القديم، وحجتهم في ذلك أنَّ من هذا حاله يعتبر فقيرًا، والزكاة تؤخذ من الأغنياء، وكذلك كيف تؤخذ منه الزكاة، وهو يصلح أن يكون مصرفًا للزكاة، واستدلوا بأثرٍ عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، أنه كان يقول: هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دينٌ؛ فليقضه، وزكوا بقية أموالكم. وهذا الأثر ثابتٌ عن عثمان رضي الله عنه،
(1)
قالوا: ولا يُعلم له مخالفٌ.
وفي «مصنف ابن أبي شيبة» (3/ 147)، و «سنن البيهقي» (4/ 148) بإسناد صحيح، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهم، في الرجل يستقرض، فينفق على ثمرته، وأهله. قال: قال ابن عمر: يبدأ بما استقرض فيقضيه، ويزكي ما بقي، وقال ابن عباس: يقضي ما أنفق على الثمرة، ثم يزكي ما بقي.
• وذهب بعض أهل العلم إلى أنَّ دَينَهُ لا يمنع وجوب الزكاة عليه، وهو مذهب الشافعي في الجديد، وحماد، وربيعة، والظاهرية، وحجتهم أنه مالٌ مملوك له بلغ
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 194) بإسناد صحيح.
النصاب، وحال عليه الحول؛ فوجب فيه الزكاة.
وهذا القول رجَّحه ابن حزم بكلام قوي، وهو اختيار الإمام ابن باز، والإمام ابن عثيمين رحمة الله عليهما.
قال الإمام ابن عثيمين رحمه الله: وأما أثر عثمان؛ فإننا نسلم أنه إن كان على الإنسان دينٌ حال، وقام بالواجب، وهو أداؤه؛ فليس عليه زكاة؛ لأنه سيؤدي من ماله، وسبق الدين يقتضي أن يقدم في الوفاء على الزكاة؛ لأنَّ الزكاة لا تجب إلا إذا حالَ الحول، والدين سابق، فكان لسبقه أحق بالتقديم من الزكاة، ونحن نقول لمن اتقى الله وأوفى ما عليه: لا زكاة عليك؛ إلا فيما بقي، أما إذا لم يف ما عليه، وماطل؛ لينتفع بالمال، ثم نقول: هذا الدين الذي عليك يسقط عليك الزكاة؛ فهذا لا يتطابق مع الأثر.
قال: فإن قال قائل: فكيف يكون مُزَكِّيًا وله أن يأخذ الزكاة؟ فنقول: ليس فيه غرابة، لو كان عند الإنسان نصاب، أو نصابان لا تكفيه المؤنة، لكنهما يبقيان عنده إلى الحول، فنقول: نعطيه المؤنة، ونأمره بالزكاة، ولا تناقض. اهـ
وأما قولهم: (إنه فقير)؛ فالغني في قوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «تؤخذ من أغنيائهم» هو من ملك النصاب.
قلتُ: وقد استدل الإمام ابن عثيمين رحمه الله على ترجيح القول الثاني بأنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان يبعث العمال الذين يقبضون الزكاة بدون استفصال مع أنَّ الغالب أنَّ أهل الثمار عليهم ديون؛ لأنَّ من عادتهم السَّلف، قال: ولأنَّ الدين يجب في