الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
656 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: رُخِّصَ لِلشَّيْخِ الكَبِيرِ أَنْ يُفْطِرَ وَيُطْعِمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ.
(1)
المسائل والأحكام المستفادة من الحديث
مسألة [1]: الشيخ الكبير، والمرأة العجوز اللذان لا يطيقان الصيام
.
نقل غير واحد الإجماع على أنَّ لهما الفطر، ولا قضاء عليهما، كابن المنذر، وابن عبد البر، والقرطبي، والنووي.
(2)
• واختلف أهل العلم: هل يلزمهما إذا أفطرا الفدية، أم لا؟ على قولين:
القول الأول: أنه يلزمهما الفدية، وهو قول الجمهور ومنهم: الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو حنيفة، وذهب إليه من الصحابة: أنس، وابن عباس، وقيس بن السائب، وأبو هريرة، وكلها ثابتة عنهم
(3)
، وهو قول عكرمة، وسعيد بن
(1)
صحيح. أخرجه الدارقطني (2/ 205)، والحاكم (1/ 440)، كلاهما من طريق محمد بن عبدالله الرقاشي ثنا وهيب عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس، وإسناده صحيح رجاله رجال الشيخين.
(2)
انظر: «المجموع» (6/ 258، 259)، «الاستذكار» (10/ 213)، «تفسير القرطبي» (2/ 289).
(3)
أثر أنس رضي الله عنه علقه البخاري في «صحيحه» قبل حديث رقم (4505)، ووصله البيهقي (4/ 271) بإسناد صحيح، وكذلك عبد بن حميد كما في «الفتح» .
وأما أثر ابن عباس رضي الله عنهما، فأخرجه عبد الرزاق (4/ 221)، والطبري (3/ 425) بأسانيد صحيحة عنه.
وأما أثر قيس بن السائب رضي الله عنه فأخرجه البيهقي (4/ 271) بإسناد حسن.
وأما أثر أبي هريرة رضي الله عنه، فأخرجه البيهقي (4/ 271) بإسناد صحيح.
المسيب، وعطاء، وقتادة وسعيد بن جبير وغيرهم.
واستدلوا بما يلي:
1) قراءة ابن عباس: (وعلى الذين يُطَوَّقُونَه فدية طعام مسكين)، بمعنى: يتكلفون صومه، قالوا: والآية بالقراءة المشهورة: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} ، معناها: يطيقونه بمشقة، فيتفق معنى القراءتين.
1) قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة:184] قال الإمام ابن عثيمين رحمه الله: وجه الدلالة من الآية أنَّ الله تعالى جعل الفدية عديلًا للصوم لمن قدر عليه، فإذا لم يقدر بقي عديله، وهو الفدية، وهذا في الحقيقة يدل على غور فقهه يعني ابن عباس رضي الله عنه وإلا فالإنسان إذا قرأ الآية ليس فيها تعرض لمن لا يطيق، بل فيها لمن يطيق، هذا وجه الدلالة، فصار العاجز عجزًا لا يُرجى زواله الواجب عليه الإطعام عن كل يومٍ مسكينًا. اهـ
قلتُ: يريد الشيخ رحمه الله أنَّ ظاهر الآية أنَّ المستطيع للصوم كان مخيرًا بين الإطعام، والصوم، والأمر كما قال رحمه الله؛ فقد ثبت في «الصحيحين» من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، قال: لما نزلت {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} كان من أراد أن يفطر، ويفتدي، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها.
قلتُ: يعني قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:185]، كما جاء مصرحًا به في رواية «صحيح مسلم» ، وقد صح عن ابن عمر أيضًا القول بنسخ
الآية كما في «صحيح البخاري» (4506).
2) أنَّ هذا عمل بعض الصحابة، كأنس، وابن عباس، وأبي هريرة، وقيس بن السائب رضي الله عنهم، وقد قال ابن حزم: ولا يعرف لهم من الصحابة مخالفٌ.
وقد رجَّح هذا القول ابن قدامة، والنووي، وشيخ الإسلام، وابن القيم، وابن كثير، وهو ترجيح: الشيخ الألباني، والشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمين، والشيخ مقبل الوادعي رحمة الله عليهم.
القول الثاني: أنه لا يلزمهما الفدية، وهو قول مالك، والثوري، وأبي ثور، ومن التابعين: القاسم بن محمد، وسالم بن عبد لله، ومكحول الدمشقي، وربيعة ابن أبي عبد الرحمن، وسعيد بن عبد العزيز، وهو أحد قولي الشافعي، ورجَّحه ابن المنذر، وابن عبد البر، وابن حزم رحمة الله عليهم أجمعين.
قال ابن حزم رحمه الله: والشيخ، والعجوز اللذان لا يطيقان الصوم؛ فالصوم لا يلزمهما، قال الله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]، وإذا لم يلزمهما الصوم؛ فالكفارة لا تلزمهما؛ لأنَّ الله تعالى لم يلزمهما إياها، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، والأموال محرمة إلا بنصٍّ، أوإجماعٍ. اهـ
قال ابن عبد البر رحمه الله: والصحيح في النظر -والله أعلم- قول من قال: إنَّ الفدية غير واجبة على من لا يطيق الصيام؛ لأنَّ الله تعالى لم يوجب الصيام على من لا يطيقه؛ لأنه لم يوجب فرضًا إلا على من أطاقه، والعاجز عن الصوم كالعاجز عن القيام في الصلاة، وكالأعمى العاجز عن النظر لا يكلفه، وأما الفدية فلم تجب
بكتاب مجتمع على تأويله، ولا سنة يفقهها من تجب الحجة بفقهه، ولا إجماع في ذلك عن الصحابة ولا عن من بعدهم، والفرائض لا تجب إلا من هذه الوجوه، والذمة بريئة. اهـ
وأجابوا عن أدلة الجمهور بما يلي:
1) قراءة ابن عباس: (وعلى الذين يطوَّقونه) خلاف القراءة المتواترة، قال ابن عبدالبر: قوله تعالى: {يُطِيقُونَهُ} هو الثابت بين لَوْحَي المصحف المجتمع عليه، وهي القراءة الصحيحة، ويقطع الفرد بمجيئها. اهـ
وقد تكلم على قراءة ابن عباس رضي الله عنهما جمعٌ، منهم: الطبري في «تفسيره» ، وأبو عبيد في «الناسخ والمنسوخ» ، وابن العربي في «أحكام القرآن» ، وابن الجوزي في «الناسخ والمنسوخ» ، وابن التركماني في «الجوهر النقي» (4/ 271)، وابن حزم في «المحلى» ، والجصاص في «أحكام القرآن» ، وغيرهم.
وقولهم: إن قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} معناها: (يطيقونه بمشقة) لا يستقيم مع ما تقدم في حديث سلمة بن الأكوع في «الصحيحين» ؛ فإنَّ ظاهره العموم في إباحة الفطر مع الفدية على من وجد المشقة أو لم يجد، وأيضًا فإن محل النزاع في العاجز الذي لا يطيق الصيام، ولذلك فقد رجَّح ابن المنذر أنَّ الآية منسوخة، وأنها لم تتناول الشيخ الكبير العاجز.
قال رحمه الله: لو كانت في الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصيام؛ لم يناسب أن يقال له: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:184].انتهى من «الفتح» .
2) وأما وجه الدلالة الذي ذكره الإمام ابن عثيمين رحمه الله، ففيه إشكال من حيث أنَّ الله عزوجل أوجب على المطيق الفدية، أو الصوم، وفهم من الآية أنَّ الذي لا يطيق ليس عليه فدية، ولا صوم، ويؤيده قوله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]، فلما نسخها الله عزوجل بالآية التي بعدها، وأوجب على المطيق الصوم، فمن أين لنا أن نوجب على غير المطيق أن يأتي بما يعادل الصوم، وهو الفدية مع كون الصوم نفسه لا يجب عليه؟!
3) أجابوا عمَّا ورد عن الصحابة في ذلك: أنَّ الحجة بإجماعهم لا باجتهاد بعض أفرادهم، ومنهم من قال: هي محمولة على أنهم أطعموا استحبابًا لا وجوبًا.
وهذا القول -أعني القول الثاني- هو الأقرب والأرجح فيما يظهر لنا، والله أعلم.
تنبيه: المراد بالذي (لا يطيق) هو العاجز عن الصيام مطلقًا، أو يطيق الصيام لكن بمشقة تلحقه الضرر.
(1)
(1)
انظر معنى ذلك في «مجموع الفتاوى» (14/ 103).
وانظر للمسألة: «المجموع» (6/ 258)، «المحلَّى» (770)، «تفسير القرطبي» (2/ 288)، «الاستذكار» (10/ 212 - 220)، «الفتح» (4507)، «الشرح الممتع» (6/ 333 - 334)، «تفسير ابن كثير» [آية:184/من سورة البقرة]، «سنن البيهقي» (4/ 271).