الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
661 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1)
المسائل والأحكام المستفادة من الحديث
مسألة [1]: من مات وعليه صومٌ، فهل يُقضى عنه
؟
• في هذه المسألة أقوال:
الأول: أنه لا يُصام عنه، ويطعم عنه إذا أوصى بذلك، وهو قول مالك وأبي حنيفة، والشافعي في مذهبه الجديد، واستدلوا بقوله تعالى:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39]، وقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث
…
» أخرجه مسلم (1631)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
الثاني: أنه لا يُصام عنه إلا النذر، وهو قول أحمد، والليث، وإسحاق، وأبي عبيد، وقالوا: حديث عائشة المذكور في الباب محمول على حديث ابن عباس في «الصحيحين»
(2)
، أنَّ امرأةً قالت: يا رسول الله، إنَّ أمي ماتت وعليها صومُ نذرٍ، أفأصومُ عنها؟ قال:«أرأيت لو كان على أُمُّكِ دَيْنٌ أَكُنتِ قاضيته؟» قالت: نعم. قال: «فدين الله أحق أن يُقضى» .
قالوا: فيكون الصوم عنه في النذر خاصة، وأما رمضان فيُطعم عنه.
الثالث: أنه يصوم عنه أيَّ صومٍ واجبٍ، سواء كان نذرًا، أو قضاءً، أو كفارةً،
(1)
أخرجه البخاري (1952)، ومسلم (1147).
(2)
أخرجه البخاري برقم (1953)، ومسلم برقم (1148).
وهذا الذي عليه أهل الحديث، وأبو ثور، والأوزاعي، وجماعةٌ، وهو قول طاوس، والحسن، والزهري، وقتادة، والشافعي في القديم، واستدلوا بعموم حديث عائشة رضي الله عنها الذي في الباب.
وهذا القول هو الصحيح، وهو الذي رجَّحه البيهقي، وابن حزمٍ، ثم الحافظ ابن حجر، ثم الصنعاني، وهو ترجيح شيخنا الإمام مقبل الوادعي، والشيخ الإمام محمد بن صالح العثيمين رحمة الله عليهما.
وقد أجاب المالكية عن حديث عائشة وما أشبهه: بأنه ليس عليه عملُ أهل المدينة.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: إن سلمت هذه الدعوى فما بمثل هذا تُرَدُّ الأحاديث الصحيحة. اهـ
وأجاب الحنفية عن حديث عائشة، وابن عباس بقولهم: إنه قد صحَّ عن عائشة، وابن عباس رضي الله عنهم القول بالإطعام. قالوا: فلما أفتوا بخلاف ما رووا؛ دلَّ على أنَّ العمل بخلاف ما روياه.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: والرَّاجح أنَّ المعتبر ما رواه لا ما رآه؛ لاحتمال أن يخالف ذلك لاجتهاد، ومستنده فيه لم يتحقق. اهـ
قلتُ: ويُحتمل أيضًا أن يكون نسي.
قال ابن حزمٍ رحمه الله: ولعلَّ الذي رُوي عن عائشة فيه الإطعام كان لم يصح حتى
مات؛ فلا صوم عليه. اهـ
قلتُ: وأما استدلال الحنفية، والمالكية بقوله تعالى:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39]، فقد قال ابن حزمٍ رحمه الله: أما قوله تعال: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} فَحَقٌّ؛ إلا أنَّ الذي أنزل هذا هو الذي قال لرسوله: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44]، وهو الذي قال:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء:80]؛ فصحَّ أنه ليس للإنسان إلا ما سعى، وما حكم الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم أنَّ له من سَعْي غيره عنه، والصوم من جملة ذلك. اهـ
وأما حديث: «انقطع عمله» ؛ فالحديث ليس فيه إلا انقطاع عمل الميت فقط، وليس فيه انقطاع عمل غيره عنه أصلًا.
وأما ما استدل به أهل القول الثاني، فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وليس بينهما تعارضٌ حتى يجمع بينهما، فحديث ابن عباس صورة مستقلة سأل عنها من وقعت له، وأما حديث عائشة فتقريرُ قاعدةٍ عامَّةٍ، وقد وقعت الإشارة في حديث ابن عباس إلى هذا العموم، حيث قال في آخره:«فدين الله أحق أن يُقضى» .اهـ.
(1)
تنبيه: ما تقدم من الخلاف في المسألة هو فيما إذا تمكن من قضائه فمات ولم يقض، أما إذا لم يتمكن من قضائه حتى مات؛ فقد نقل غير واحد الإجماع أنه لا
(1)
انظر: «الفتح» (1952)، «المحلَّى» (775)، «السبل» (2/ 336)، «الشرح الممتع» (6/ 456)، «الكبرى للبيهقي» (4/ 256).