الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة [2]: هل يجزئ إخراج الصدقة إلى السلطان الجائر
؟
• ذهب عامة أهل العلم إلى أنها تجزئ؛ لحديث ابن مسعود في «الصحيحين» ،
(1)
أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ:«تُؤَدُّونَ الحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللهَ الَّذِي لَكُمْ» ، وحديث وائل بن حُجر في «صحيح مسلم» (1846)، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلٌ يسأله: أرأيت إن كانت علينا أمراء يمنعونا حقَّنَا، ويسألونا حقَّهم؟ فقال:«اسْمَعُوا، وَأَطِيْعُوا، فَإِنَّمَا عَلَيْهِم مَا حُمِّلُوا، وَعَلَيْكُم مَا حُمِّلْتُم» .
وقد ثبت عن جمع من الصحابة الأمر بإخراجها إلى السلطان الجائر، ثبت ذلك عن سعد، وابن عمر، وأبي هريرة، وأبي سعيد رضي الله عنهم. أخرجها عنهم عبد الرزاق (4/ 46)، وابن أبي شيبة (3/ 156).
قال الشوكاني رحمه الله في «النيل» : وَحَكَى الْمَهْدِيُّ فِي «الْبَحْرِ» عَنْ الْعِتْرَةِ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى الظَّلَمَةِ، وَلَا يُجْزِئ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة:124]، وَيُجَابُ: بِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى تَسْلِيمِ صِحَّةِ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى مَحَلِّ النِّزَاعِ عُمُومُهَا مُخَصَّصٌ بِالْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ. اهـ
مسألة [3]: أيهما أفضل: دفع الزكاة إلى الإمام، أو إخراجها بنفسه
؟
• اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:
(1)
أخرجه البخاري برقم (3603)، ومسلم برقم (1843).
الأول: أنَّ الأفضل أن يُخرِجها بنفسه، وهو مذهب أحمد، والحسن، ومكحول، وابن جبير، وميمون بن مهران، والثوري، وطاوس، وعطاء، والشعبي، وأبي جعفر، والنخعي، وبعض هؤلاء يقيد ذلك بما إذا كانوا أهل جَورٍ، والحجَّة لأهل هذا القول أنه إذا أخرجها بنفسه يكون على يقين من وصولها إلى مستحقها، وربما أعطاها بعض أقاربه؛ فتكون صدقة، وصِلة.
الثاني: دفع الزكاة إلى الإمام العادل أفضل، وهو مذهب الشافعية، وقال به الشعبي، ومحمد بن علي، وأبو رزين، والأوزاعي، وبعض الحنابلة، وبعض من قال بهذا القول يَعُمُّ الحكم، حتى ولو كان الإمام جائرًا.
ومنع مالك، وأبو حنيفة، وأبو عبيد أن يخرج الإنسان بنفسه الأموال الظاهرة، كالمواشي، والزروع؛ لقوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:103]، ولأنَّ أبا بكر رضي الله عنه، قاتلهم على منعهم الزكاة.
قال ابن قدامة رحمه الله: وَلَنَا عَلَى جَوَازِ دَفْعِهَا بِنَفْسِهِ، أَنَّهُ دَفَعَ الْحَقَّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ الْجائِزِ تَصَرُّفُهُ؛ فَأَجْزَأهُ، كَمَا لَوْ دَفَعَ الدَّيْنَ إلَى غَرِيمِهِ، وَكَزَكَاةِ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيْ الزَّكَاةِ، فَأَشْبَهَ النَّوْعَ الْآخَرَ، وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَخْذَهَا، وَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَمُطَالَبَةُ أَبِي بَكْرٍ لَهُمْ بِهَا؛ لِكَوْنِهِمْ لَمْ يُؤَدُّوهَا إلَى أَهْلِهَا، وَلَوْ أَدَّوْهَا إلَى أَهْلِهَا لَمْ يُقَاتِلْهُمْ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُخْتَلَفٌ فِي إجْزَائِهِ. انتهى المراد.
قال أبو عبد الله غفر الله له: الصواب أنَّ الإمام إذا كان عادلًا يضعُ الزكاةَ في مواضعها: أنَّ الأفضل أن يُعْطَى الزَّكاةَ، وأما إذا كان جائرًا؛ فالأفضل أن يفرِّقَها
بنفسه؛ إذا لم يطالب الإمام بها، والله أعلم.
قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في «مجموع الفتاوى» (25/ 81): أَمَّا مَا يَأْخُذُهُ وُلَاةُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْعُشْرِ، وَزَكَاةِ الْمَاشِيَةِ، وَالتِّجَارَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ ذَلِكَ مِنْ صَاحِبِهِ إذَا كَانَ الْإِمَامُ عَادِلًا يَصْرِفُهُ فِي مَصَارِفِهِ الشَّرْعِيَّةِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ؛ فَإِنْ كَانَ ظَالِمًا لَا يَصْرِفُهُ فِي مَصَارِفِهِ الشَّرْعِيَّةِ؛ فَيَنْبَغِي لِصَاحِبِهِ أَنْ لَا يَدْفَعَ الزَّكَاةَ إلَيْهِ، بَلْ يَصْرِفُهَا هُوَ إلَى مُسْتَحِقِّيهَا؛ فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى دَفْعِهَا إلَى الظَّالِمِ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يَدْفَعْهَا إلَيْهِ لَحَصَلَ لَهُ ضَرَرٌ؛ فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالِ ظَلَمُوا مُسْتَحِقِّيهَا، كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ، وَنَاظِرِ الْوَقْفِ إذَا قَبَضُوا مَالَهُ وَصَرَفُوهُ فِي غَيْرِ مَصَارِفِهِ. اهـ.
(1)
(1)
انظر: «المغني» (4/ 92 - 94).