الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صدقته إلى أحد، فمعنى الغني في هذا الحديث حصول ما تدفع به الحاجة الضرورية كالأكل عند الجوع المشوش الذي لا صبر عليه، وستر العورة والحاجة إلى ما يدفع به عن نفسه الأذى، وما هذا سبيله؛ فلا يجوز الإيثار به، بل يحرم؛ وذلك أنه إذا آثر غيره به أدى إلى إهلاك نفسه، أو الإضرار بها، أو كشف عورته، فمراعاة حقِّه أولى على كل حال، فإذا سقطت هذه الواجبات صحَّ الإيثار، أو كانت صدقته هي الأفضل لأجل ما يتحمل من مضض الفقر، وشدة مشقته، فبهذا يندفع التعارض بين الأدلة إن شاء لله.
(1)
مسألة [3]: التصدق بالمال كاملا
.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في «الفتح» (1426): قَالَ الطَّبَرِيّ وَغَيْره: قَالَ الْجمْهُور: مَنْ تَصَدَّقَ بِمَالِهِ كُلّه فِي صِحَّةِ بَدَنِهِ وَعَقْلِهِ، حَيْثُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ، وَكَانَ صَبُورًا عَلَى الْإِضَاقَةِ، وَلَا عِيَالَ لَهُ، أَوْ لَهُ عِيَال يَصْبِرُونَ أَيْضًا؛ فَهُوَ جَائِز؛ فَإِنْ فُقِدَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ كُرِهَ. وَقَالَ بَعْضهمْ: هُوَ مَرْدُود
…
.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْتَجَّ لَهُ بِقِصَّةِ الْمُدَبَّرِ
(2)
الْآتِي ذِكْرُهُ؛ فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم بَاعَهُ وَأَرْسَلَ ثَمَنه إِلَى الَّذِي دَبَّرَهُ؛ لِكَوْنِهِ كَانَ مُحْتَاجًا.
وَقَالَ آخَرُونَ: يَجُوزُ مِنْ الثُّلْثِ، وَيُرَدُّ عَلَيْهِ الثُّلْثَانِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيّ، وَمَكْحُول. وَعَنْ مَكْحُولٍ أَيْضًا: يُرَدُّ مَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ.
قَالَ الطَّبَرِيّ: وَالصَّوَابُ عِنْدنَا الْأَوَّل مِنْ حَيْثُ الْجوَاز، وَالْمُخْتَار مِنْ حَيْثُ
(1)
انظر: «الفتح» (1427).
(2)
سيأتي حديث المدبر في الكتاب برقم (1429).
الِاسْتِحْبَاب أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ مِنْ الثُّلْثِ جَمْعًا بَيْنَ قِصَّةِ أَبِي بَكْر
(1)
وَحَدِيث كَعْب
(2)
، وَاللهُ أَعْلَمُ. اهـ
قال ابن قدامة رحمه الله: فإنْ كان الرجل وحده، أو كان لمن يمون كفايتهم، فأراد الصدقة بجميع ماله، وكان ذا مكسب، أو كان واثقًا من نفسه بحسن التوكل، والصبر على الفقر، والتعفف عن المسألة؛ فَحَسَنٌ. اهـ
ثم استدل بقصة أبي بكر رضي الله عنه عند أن تصدق بماله كُلِّه، ثم قال: أبقيت لهم الله، ورسوله.
(1)
فيها أنه تصدق بماله كله، أخرجه أبو داود (1678)، والترمذي (3675)، من حديث عمر رضي الله عنه بإسناد حسن.
(2)
حديث كعب في قصة توبته، وفي آخره: قال: يا رسول الله، إنَّ من توبتي أن أنخلع من مالي صدقةً إلى الله، وإلى رسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:«أمسك بعض مالك؛ فهو خير لك» أخرجه البخاري برقم (4418)، ومسلم برقم (2769).