الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعرج عليه في مثل هذا. انتهى المراد.
(1)
مسألة [4]: استعمال المنظار المقرب للرؤية
.
قال الإمام ابن عثيمين رحمه الله: وأما استعمال ما يُسمَّى بـ (الدِّربيل)، وهو المنظار المقرب في رؤية الهلال؛ فلا بأس به، ولكن ليس بواجب؛ لأن الظاهر من السنة أنَّ الاعتماد على الرؤية المعتادة لا على غيرها، ولكن لو استعمل فرآه من يوثق به؛ فإنه يعمل بهذه الرؤية، وقد كان الناس قديمًا يستعملون ذلك لما كانوا يصعدون المنائر ليلة الثلاثين من شعبان أو ليلة الثلاثين من رمضان، فيتراءون بواسطة هذا المنظار، على كل حال متى ثبتت رؤيته بأي وسيلة؛ فإنه يجب العمل بمقتضى هذه الرؤية؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:«صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته» .
(2)
مسألة [5]: إذا رأى الهلال أهل بلدة، فهل يلزم بقية البلدان الصوم
؟
• اختلف في هذه المسألة اختلافًا كثيرًا، حتى تفرقوا في ذلك إلى ما يقارب ثمانية أقوال كما ذكر ذلك صديق بن حسن في «الروضة الندية» (1/ 224).
وقد أَلَّفَ الإمام الشوكاني في هذه المسألة رسالة سمَّاها «إطلاع أرباب الكمال على ما في رسالة الجلال في الهلال من الاختلال» ، وأقوى هذه المذاهب ثلاثة:
المذهب الأول: أنه يلزم بقية البلدان الصوم، وهو قول مالك، والشافعي،
(1)
انظر: «التمهيد» (7/ 156) ط/مرتبة، «الفتح» (1906)، «سبل السلام» (4/ 110)، «مجموع الفتاوى» (25/ 132، 133)، «فتاوى اللجنة» (10/ 105 - 106).
(2)
انظر: «مجموع فتاوى العثيمين» (19/ 37).
وأحمد، والليث، وغيرهم، وهو ترجيح جمعٍ من المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية كما في «مجموع الفتاوى» ، والإمام الشوكاني، وصديق بن حسن، والإمام الألباني، والإمام ابن باز رحمة الله عليهم أجمعين. واستدلوا بقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:«صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته» .
قال الشوكاني رحمه الله: وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِأَهْلِ نَاحِيَةٍ عَلَى جِهَةِ الِانْفِرَادِ، بَلْ هُوَ خِطَابٌ لِكُلِّ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ فَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى لُزُومِ رُؤْيَةِ أَهْلِ بَلَدٍ لِغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبِلَادِ أَظْهَرُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى عَدَمِ اللُّزُومِ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَآهُ أَهْلُ بَلَدٍ فَقَدْ رَآهُ الْمُسْلِمُونَ؛ فَيَلْزَمُ غَيْرَهُمْ مَا لَزِمَهُمْ. انتهى من «نيل الأوطار» .
المذهب الثاني: أنه يلزم بقية البلدان الصوم ممن توافق البلدة التي رأته في مطالع الهلال، وهو مذهب الشافعية، وقول عن أحمد، واختاره ابن عبد البر في «التمهيد» ، وشيخ الإسلام كما في «الاختيارات» ، وهو ترجيح شيخنا مقبل بن هادي الوادعي، والشيخ ابن عثيمين، وغيرهما من أهل العلم رحمة الله عليهم، واستدلوا:
1) بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:185]، قالوا: والذين لا يوافقون من شاهده في المطالع لا يقال: إنهم شاهدوه، لا حقيقة ولا حكمًا، والله تعالى أوجب الصوم على من شاهده.
2) بقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته» ، فعلل الصوم بالرؤية، ومن يخالف من رآه في المطالع لا يقال: إنه رآه، لا حقيقة ولا حُكمًا.
3) حديث ابن عباس رضي الله عنهما في «صحيح مسلم» (1087)، أنه سأل كُريبًا: متى رأى الهلال؟ وكان بالشام، فقال: رأيناه ليلة الجمعة. فقال ابن عباس: لَكِنَّا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نرى الهلال، أو نكمل العدة. فقال كُريب: أفلا تكتفي برؤية معاوية؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
المذهب الثالث: أنه لا يلزم أهل البلد رؤية غيرهم؛ إلا أن يثبت ذلك عند الإمام الأعظم، فيلزم الناس كلهم؛ لأنَّ البلاد في حقِّه كالبلد الواحد؛ إذ حُكْمُه نافذٌ في الجميع، وهو قول ابن الماجشون.
وقال الإمام ابن عثيمين رحمه الله: وعمل الناس اليوم على هذا، وهو من الناحية الاجتماعية قولٌ قويٌّ.
قلتُ: قبل الترجيح، قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في «مجموع الفتاوى» (25/ 103): حكى ابن عبد البر الإجماع على أن الاختلاف فيما يمكن اتفاق المطالع فيه، فأما ما كان مثل الأندلس وخراسان؛ فلا خلاف أنه لا يعتبر.
وعلى هذا فرؤية أهل المغرب لا تعتبر على أهل المشرق، ولكن يظهر أن رؤية أهل المشرق تعتبر على أهل المغرب؛ لأن مطلعهم بعدهم؛ فإذا رأى الهلال أهل المشرق كانت رؤيتهم معتبرة على كل من كان بعدهم في المطلع، وإن تباعدوا، والله أعلم.
والقولان الأولان قويان، إلا أنَّ الذي يظهر -والله أعلم- أنَّ الأول أقوى؛
لعموم الدليل الذي استدلوا به، والشرع عام، ولو كان الحكم على غير ذلك لَبَيَّنَه النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
وقد ردُّوا على القول الثاني بما يلي:
1) إنَّ اختلاف المطالع أمرٌ لا ينضبط بحدٍّ محدود، فما هو الضابط الذي يفصل بين كل مطلع وآخر؟
قال الإمام الألباني رحمه الله في «تمام المنة» : والمطالع أمورٌ نسبيةٌ ليس لها حدودٌ مادية يمكن للناس أن يتبينوها. اهـ
2) قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في «مجموع الفتاوى» : إذا اعتبرنا حدًّا كمسافة القصر، أو الأقاليم، فكان رجلٌ في آخر المسافة والإقليم؛ فعليه أن يصوم ويُفطر وينسك، وآخر بينه وبينه غلوة سهم لا يفعل شيئًا من ذلك، وهذا ليس من دين المسلمين. اهـ
3) المقصود بالآية والحديث الذي استدل بهما أصحاب القول الثاني هو العلم بحلول شهر رمضان، وقد حصل ذلك برؤية أهل بلد معين، وكما أنه يلزم أهل البلد الواحد الصوم برؤية بعض أفرادهم؛ فكذلك يلزم البلدان الأخرى الصوم برؤية أهل هذا البلد.
استدلالهم بحديث ابن عباس أُجِيب عنه بأجوبة:
الأول: أنَّ ابن عباس لم يصرِّح أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أمرهم بأن لا يعملوا برؤية غيرهم من أهل الأقطار، بل أراد ابن عباس أنه أمرهم بإكمال الثلاثين، أو يروه كما في
الأحاديث الأخرى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتاب الصيام (1/ 174): ويجوز أن يكون ذلك؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يصوموا لرؤيته ويفطروا لرؤيته، ولا يفطروا حتى يروه، أو يكملوا العدة كما قد رواه ابن عباس وغيره مفسرًا، فاعتقد ابن عباس أنَّ أهل كل بلد يصومون حتى يروه، أو يكملوا العدة، وقد تقدم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قصد رؤية بعض الأمة في الجملة؛ لأنَّ الخطاب لهم وهذا عمل برؤية قوم في غير مصره. اهـ
وقد أجاب بهذا الجواب أيضًا ابن دقيق العيد، والشوكاني في «النيل» ، وصديق ابن حسن في «الروضة الندية» .
الثاني: قال الإمام الألباني رحمه الله في «تمام المنة» : إنَّ حديثَ ابن عباس ورد فيمن صام على رؤية بلده، ثم بلغه في أثناء رمضان أنهم رأوا الهلال في بلد آخر قبله بيوم، ففي هذه الحالة يستمر في الصيام مع أهل بلده حتى يكملوا العدة ثلاثين، أو يروا الهلال. اهـ
وقد سبق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى الإشارة إلى مثل هذا الجواب كما في «مجموع الفتاوى» (25/ 109).
الثالث: أنَّ هذه شهادة من كُريب، وهو واحدٌ، وقد أمرهم النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أن يُفطروا بشهادة اثنين، ولو عملوا بخبره لأفطروا بشهادة واحد، كذا أجاب شيخ الإسلام رحمه الله في «شرح العمدة» ، وأشار إلى هذا الجواب الإمام النووي في «شرح
مسلم»، والله أعلم.
قلتُ: ومما يبين أنَّ الحديث ليس فيه وجهٌ لما استدلوا به أنَّ مطلع الشام، والمدينة النبوية لا يختلف، بل هو مطلع واحد، والله أعلم.
(1)
(1)
انظر: «المجموع» (6/ 273 - 274)، «شرح كتاب الصيام من العمدة» (1/ 170 - 175)، «المغني» (4/ 328)، «المفهم» (3/ 142)، «الفتح» (1906)، «شرح مسلم» (7/ 197)، «نيل الأوطار» (1636)، «مجموع الفتاوى» (25/ 103 - )، «الروضة الندية» (1/ 224 - )، «تمام المنة» (ص 398)، «الشرح الممتع» (6/ 320 - 323)، «توضيح الأحكام» (3/ 140 - ).