الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: وفي كتب الشافعية، والحنفية أنَّ تركه صلى الله عليه وسلم لصدقة النفل تورعًا لا أنها محرمة، وهي دعوى بلا دليل. اهـ
وهذا القول رجَّحه الإمام الوادعي رحمه الله، وشيخنا يحيى الحجوري عافاه الله، والقول الأول رجَّحه الإمام ابن عثيمين رحمه الله.
(1)
تنبيه: ذهب أكثر أهل العلم إلى أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- تحرم عليه صدقة التطوع أيضًا، وحملوا الأحاديث التي ذكرها الصنعاني على الخصوصية به، بل نقل جماعةٌ الإجماع على ذلك، منهم: الخطابي كما في «النيل» (1610).
قال الشوكاني رحمه الله: وتعقب بأنه قد حكى غير واحد عن الشافعي في التطوع قولًا، وكذا في رواية عن أحمد، وقال ابن قدامة: ليس ما نقل عنه في ذلك بواضح الدلالة.
قلتُ: وفي قول الصنعاني المتقدم (وفي كتب الشافعية
…
) دليل على أنه ليس في المسألة إجماع.
(2)
مسألة [5]: هل تحرم الصدقة على أزواج بني هاشم
؟
قال الصنعاني رحمه الله في «حاشيته على ضوء النهار» (2/ 334): قال الحافظ السيوطي رحمه الله في «أنموذج اللبيب في خصائص الحبيب» : إنها تحرم الصدقة على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بالإجماع. فقال: كذا قال. وفي «شرح البخاري» لابن بطال أنَّ
(1)
انظر: «الفتح» (1491).
(2)
وانظر: «الفتح» (1491)، «التمهيد» (3/ 92 - )، «المحلى» (1645).
الفقهاء كافة على أنَّ أزواجه صلى الله عليه وسلم لا يدخلن في آله الذين حرمت عليهم الصدقة.
قال الصنعاني: قلت: وتفسير زيد بن أرقم للآل يؤيد هذا المقال، وفي حديث جويرية عند مسلم
(1)
أنه صلى الله عليه وسلم قال: «هل عندكم طعام؟» فقالت جويرية: لا والله، ما عندنا طعام؛ إلا عظم من شاة أعطيتها مولاتي من الصدقة. فقال:«قَرِّبِيها؛ فقد بلغت محلها» ، وكذلك اللحم من شاة بريرة مولاة عائشة الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه:«هو لها صدقة، ولنا هدية»
(2)
، دلت على أنه لا يحرم على موالي أزواجه كما لا يحرم عليهن. اهـ.
(3)
قلتُ: حديث زيد بن أرقم في «صحيح مسلم» (2408) أنه سُئل: أليس نساؤه من أهل بيته؟ فقال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، وهم: آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل العباس.
وفي رواية: أنه قال عند أن سُئل عن نسائه: مِنْ أهل بيته؟ فقال: لا وايم الله، إنَّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر، ثم يطلقها، فترجع إلى أبيها، وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده.
قال ابن القيم رحمه الله في «جلاء الأفهام» (ص 123 - 124): وإنما دخل الأزواج في الآل، وخصوصًا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم؛ تشبيهًا لذلك بالنسب؛ لأن اتصالهن بالنبي
(1)
أخرجه مسلم برقم (1073).
(2)
أخرجه البخاري برقم (1493)، ومسلم برقم (1075).
(3)
وانظر: «النيل» (3/ 89 - 90).
- صلى الله عليه وسلم غير مرتفع، وهن محرمات على غيره في حياته وبعد مماته، وهن زوجاته في الدنيا والآخرة، فالسبب الذي لهن بالنبي صلى الله عليه وسلم قائم مقام النسب، وقد نص على الصلاة عليهن؛ ولهذا كان القول الصحيح وهو منصوص الإمام أحمد رحمه الله: أنَّ الصدقة تحرم عليهم؛ لأنها أوساخ الناس، وقد صان الله سبحانه ذلك الجناب الرفيع وآله من كل أوساخ بني آدم، ويالله العجب! كيف يدخل أزواجه في قوله:«اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا» ، وقوله في الأضحية:«اللهم هذا عن محمد وآل محمد» ، وفي قول عائشة رضي الله عنها: ما شبع آل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خُبز بُرٍّ، وفي قول المصلي:«اللهم صَلِّ على محمد وعلى آل محمد» ، ولا يدخلن في قوله:«إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد» مع كونها من أوساخ الناس، فأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بالصيانة عنها والبعد منها؛ فإن قيل: لو كانت الصدقة حرامًا عليهن؛ لحرمت على مواليهن، كما أنها لما حرمت على بني هاشم حرمت على مواليهم، وقد ثبت في «الصحيح» أن بريرة تصدق عليها بلحم فأكلته، ولم يحرمه النبي صلى الله عليه وسلم وهي مولاة لعائشة رضي الله عنها.
قيل: هذا هو شبهة من أباحها لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وجواب هذه الشبهة: أن تحريم الصدقة على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليس بطريق الأصالة وإنما هو تبع لتحريمها عليه؛ وإلا فالصدقة حلال لهن قبل اتصالهن به، فهن فرع في هذا التحريم، والتحريم على المولى فرع التحريم على سيده، فلما كان التحريم على بني هاشم أصلًا؛ استتبع ذلك مواليهم، ولما كان التحريم على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تبعًا؛ لم يقو ذلك على استتباع مواليهن؛ لأنه فرع عن فرع. قالوا: وقد قال الله تعالى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ
وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا *
…
وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا * يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب:30 - 34]، فدخلن في أهل البيت؛ لأن هذا الخطاب كله في سياق ذكرهن فلا يجوز إخراجهن في شيء منه، والله أعلم. اهـ
قلتُ: وهذا الكلام من ابن القيم كلام مفيد، وما عندنا عليه مزيد.