الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول يُعلم أنَّ قول ابن قدامة: (إنْ قبَّل فأنزل؛ أفطر بلا خلاف) غير صحيح، فقد وُجِدَ الخلاف كما تقدم، وكما في «الإنصاف» (3/ 271 - ).
والراجح -والله أعلم- أنه إنْ تعمَّد إنزال المني بمباشرة، أو تقبيل؛ فإنه يُفطر، وإنْ لم يقصد الإنزال عند المباشرة، أو التقبيل، فأمنى من غير قصد؛ فلا شيء عليه، وكذلك إذا أمذى؛ فلا شيء عليه مطلقًا.
وإذا أنزل المني متعمدًا؛ بطل صومه، وليس عليه كفارة، ولا يقدر على القضاء، وعليه التوبة.
قال الإمام الشوكاني رحمه الله في «السيل الجرَّار» (2/ 121): إنْ وقع من الصائم سببٌ من الأسباب التي وقع الإمناء بها؛ بطلَ صومه، وإنْ لم يتسبب بسبب، بل خرج مَنِيُّهُ لشهوة ابتداءً، أو عند النظر إلى ما يجوز له النظر إليه مع عدم علمه بأن ذلك مما يتسبب عنه الإمناء؛ فلا يبطل صومه، وما هو بأعظم ممن أكل ناسيًا. اهـ
ثم وجدت في «مصنف ابن أبي شيبة» (3/ 70) بإسنادٍ صحيحٍ عن جابر بن زيد رحمه الله أنه قال فيمن نظر إلى امرأته فأمنى، قال: لا يفطر، ويتم صومه.
مسألة [2]: القبلة والمباشرة للصائم إذا لم ينزل
؟
• في المسألة أقوال:
الأول: الكراهة مطلقًا، وهو المشهور عند المالكية.
الثاني: نقل ابن المنذر وغيره عن قومٍ التحريم، واحتجوا بقوله تعالى:{فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة:187]، وزاد بعضهم فقال: يبطل صومه، كعبد الله بن شبرمة، وحُكي عن سعيد بن المسيب.
الثالث: الإباحة، وقد صحَّ عن أبي هريرة رضي الله عنه عند ابن أبي شيبة (3/ 60)، وجاء عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال ابن حزم رحمه الله في «المحلَّى»: من طُرُقٍ صحاح عنه، وهو قول طائفة. وبالغ ابن حزم فقال بالاستحباب.
الرابع: يُكره للشاب، ويُباح للشيخ، واستدلوا بما أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رجلًا أتى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فسأله عن المباشرة للصائم، فرخَّص له، وأتاه آخر فسأله عنها فنهاه، فإذا الذي رخَّص له شيخ، والذي نهاه شابٌّ. أخرجه أبو داود (2387)، وإسناده صحيح، وقد أعلَّهُ بعضُهم بأبي العنبس الحارث بن عبيد، وقالوا: مجهولٌ، والصحيح أنه ثقة، فقد وثَّقه ابن معين كما في «تاريخ الدارمي» .
الخامس: إنْ ملك نفسه؛ جازَ، وإلا فلا، وهو قول الشافعي، والثوري، وهذا هو الصحيح؛ لحديث عائشة رضي الله عنها الذي في الباب، وإنما منعناه لمن لا يملك نفسه للأدلة القاضية بسد الذرائع الموصلة إلى الحرام، ويشير إلى ذلك الحديث الذي استدل به أهل القول الرابع.
وأما عن الأقوال السابقة:
فالقول الأول: يرده حديث عائشة رضي الله عنها، وكذلك حديث حفصة، وأم سلمة (في «صحيح مسلم» (1106 - 1108): أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان يُقَبِّلُ وهو صائمٌ، ودعوى الخصوصية في هذه الأحاديث تحتاج إلى برهان، بل قد ثبت أنَّ رجلًا من الأنصار قبَّل امرأته على عهد رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وهو صائمٌ، فأمرها، فسألت النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عن ذلك؟ فقال لها: إنَّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يفعل ذلك، فأخبرته امرأته، فقال لها: إنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يرخص له في أشياء، فارجعي إليه، فرجعت إليه، فأخبرته، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:«أنا أتقاكم، وأعلمكم بحدود الله» أخرجه أحمد (5/ 434)، وصححه الوادعي رحمه الله في «الجامع الصحيح» .
وروى مسلم في «صحيحه» (1108): أنَّ عمر بن أبي سلمة سأل رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: أيقبل الصائم؟ فقال: «سل هذه» -يعني أم سلمة- فأخبرته أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يفعل ذلك، فقال: يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. فال:«أَمَا والله، إني لأتقاكم لله، وأخشاكم» .
وأما القول الثاني: فالرد عليه بما رُدَّ على القول الأول.
وأما استدلالهم بالآية: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} .
فالجواب عن ذلك:
أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- هو المبين عن الله تعالى، وقد أباح المباشرة، والقبلة نهارًا، فدلَّ على أنَّ المراد بالمباشرة في الآية هو الجماع لا ما دونه، والله أعلم.
وأما الرد على أهل القول الرابع:
فإنَّ الحديث الذي ذكروه واقعة عين لا تفيد العموم، والناس يختلفون، فرُبَّ شيخ أشد شهوة من الشاب، وكذا العكس.
ويدل على عدم اعتبار هذ التفريق حديث عمر بن أبي سلمة الذي تقدم قريبًا؛ فهذا يدل على أنَّ النظر في ذلك لمن يتأثر بالمباشرة والتقبيل، ويجره إلى الحرام، والله أعلم.
(1)
(1)
انظر: «الفتح» (1927)، «سبل السلام» (4/ 128 - 129)، «المحلَّى» (753)، «المجموع» (6/ 355).