الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والراجح هو القول الأول، وهو ترجيح ابن قدامة، والنووي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والصنعاني، والشوكاني.
وأما الدليل الذي استدل به لأبي حنيفة فقد أجاب عنه شيخ الإسلام، وكذا الشوكاني بأنَّ النية إنما صحَّت في نهار عاشوراء؛ لكون الرجوع إلى الليل غير مقدور، ولكونه ابتدأ وجوبه من النهار، ولم يكن واجبًا عليهم من الليل بخلاف صوم رمضان.
قال النووي رحمه الله في «المجموع» (6/ 301): لو سَلَّمْنَا أَنَّه كان فرضًا يعني عاشوراء، فقد كان ابتداء فرضه عليهم من حين بلغهم، ولم يخاطبوا بما قبله كأهل قُباء في استقبال الكعبة؛ فإنَّ استقبالها بلغهم في أثناء الصلاة، فاستداروا وهم فيها من استقبال بيت المقدس إلى استقبال الكعبة، وأجزأتهم صلاتهم، حيث لم يبلغهم الحكم إلا حينئذ، وإن كان الحكم باستقبال الكعبة قد سبق قبل هذا في حق غيرهم ويصير هذا كمن أصبح بلا نية ثم نذر في أثناء النهار صوم ذلك اليوم. اهـ
(1)
مسألة [5]: تبييت النية في صوم التطوع
.
• ذهب الجمهور إلى عدم وجوب تبييت النية في صوم التطوع، وقالوا: يجزئه أن يبتدئ النية من النهار؛ مالم يأكل.
وهو قول أحمد، والشافعي، وأبي حنيفة، واستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها الذي
(1)
انظر: «المغني» (4/ 333 - )، «المجموع» (6/ 289 - 290)، «النيل» (1637)«المحلَّى» (728).
في الباب، وفيه:«إني إذًا صائم» ، وجاء في بعض الروايات:«فإني صائم» ، وفي «صحيح أبي عوانة»:«فأصوم» .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في «شرح العمدة» في كتاب الصيام (1/ 186): وهذا يدل على أنه أنشأ الصيام من النهار؛ لأنه قال: «فإني صائم» ، وهذه الفاء تفيد السببية والعلة، فيصير المعنى:(إني صائم؛ لأنه لا طعام عندكم)، وأيضًا فقوله:«إني إذًا صائم» ، و (إذًا) أصرح بالتعليل من الفاء. اهـ
قلتُ: ورواية أبي عوانة: «فأصوم» ظاهرة أيضًا في أنه أنشأ الصوم؛ لأنَّ الفعل: (أصوم) مضارع يُفيدُ الاستقبال، والله أعلم.
واستدل أهل هذا القول أيضًا بأنه قد صحَّ عن جمع من الصحابة أنهم يبتدئون صوم التطوع من النهار، منهم: أبو الدرداء، وأبو طلحة، وحذيفة، وابن مسعود، وأنس، ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم كما في «مصنف ابن أبي شيبة» (3/ 31، 28، 29)، وعبد الرزاق (4/ 272 - 273)، والطحاوي في «شرح المعاني» (2/ 56)، ولا يُعلم لهم مخالف من الصحابة.
وهذا القول هو ترجيح الإمام الألباني، والإمام ابن باز، والإمام ابن عثيمين رحمة الله عليهم أجمعين.
• وذهب مالك، وداود، وابن حزم، والصنعاني، والشوكاني إلى وجوب تبييت النية من الليل؛ لحديث:«إنما الأعمال بالنيات» ، ورجَّح هذا القول الإمام الوادعي.
وأجابوا عن حديث عائشة: بأنه محمول على أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان صائمًا فأراد أن يُفطر، ويؤيد هذا أنه جاءت رواية في «مسند أحمد» صريحة بذلك.
أخرجه أحمد (6/ 49) عن يحيى بن سعيد، عن طلحة بن يحيى، قال: حدثتني عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيها وهو صائمٌ، فيقول:«أصبح عندكم شيء؟» ، فتقول: لا. فيقول: «إني صائمٌ» .
وهذه الزيادة أعني: (وهو صائم)، تفرد بها يحيى بن سعيد القطان، وقد أخرجه أيضًا النسائي (4/ 194 - 195) عن الفَلَّاس، عن يحيى بن سعيد بإسناده.
ورواه جمعٌ من الرواة عن طلحة بن يحيى بدون هذه الزيادة، وهم: سفيان بن عيينة، ووكيع، وعبد الله بن نمير، وعبد الواحد بن زياد، وسفيان الثوري، وشعبة، ومحمد بن سعيد.
فهؤلاء سبعة، انظر مصادر رواياتهم في «المسند الجامع» (19/ 735)، وتابعهم: عيسى بن يونس عند إسحاق بن راهويه (1023)، وأبو معاوية عند أبي يعلى (4563)، وإسماعيل ابن زكريا عند أبي يعلى (4596)، وابنِ حبان (3630)، ويعلى بن عبيد عند البيهقي في «السنن الصغرى» (1293)(1294)، وأبي عوانة (2/ 198)، وجعفرُ بن عون عند أبي عوانة (2/ 199)، وأبو أسامة حماد بن أسامة عند أبي عوانة (2/ 199)، فهؤلاء ستة مع السبعة المتقدمين، فصاروا ثلاثة عشر راويًا يروون الحديث عن طلحة بن يحيى بدون زيادة (وهو صائمٌ)، فهذه الزيادة ليست محفوظة، والله أعلم.