الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة [2]: حكم صيام أيام التشريق
.
• فيه ثلاثة أقوال:
القول الأول: الجواز مُطلَقًا، حكاه ابن المنذر رحمه الله عن الزبير بن العوام، وأبي طلحة، وقال القرطبي في «المفهم»: وقال بجوازها بعض السلف وكأنهم لم يبلغهم النهي عن صيامها.
القول الثاني: المنع مطلقًا، ذكره ابن المنذر رحمه الله عن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وهو قول الشافعي في الجديد وعليه أكثر أصحابه، وهو قول أبي حنيفة، ورجَّحه ابن حزمٍ، وابن المنذر، وقال به من التابعين: الحسن، وعطاء، وعبيد بن عمير.
واستدلوا:
1) بحديث نبيشة الذي في الباب، وقد جاء معناه من حديث كعب بن مالك عند مسلم (1142)، ومن حديث أبي هريرة عند ابن ماجه (1719) بإسناد حسن، ومن حديث بشر بن سحيم عند النسائي (8/ 104)، وابن ماجه (1720) بإسناد صحيح، ومن حديث عقبة بن عامر، وثلاثتها في «الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين» .
2) حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه، عن أبي داود (2418)، قال: هذه الأيام التي كان رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يأمرنا بإفطارها، وينهانا عن صيامها يعني أيام التشريق وصححه شيخنا رحمه الله في «الجامع الصحيح» .
القول الثالث: تحريم صومها إلا للمتمتع إذا لم يجد الهدي، وهو قول ابن عمر، وعائشة رضي الله عنهم، وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه كان يصومها، وذهب إليه مالك، والشافعي في القديم، وهو مذهب الحنابلة.
واستدلوا على الجواز للمتمتع بعموم الآية: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة:196]؛ فإنَّ عموم هذه الآية يشمل أيام التشريق؛ لأنها من أيام الحج.
وقد عارض هذا العمومَ عمومُ الحديث المتقدم: «كان يأمرنا بإفطارها، وينهانا عن صيامها» ؛ فإنه عامٌّ في الحاج وفي غيره، فوجب ترجيح أحد العمومين، وتخصيص الآخر بالعام الرَّاجح.
وقد رجَّح الصنعاني رحمه الله عموم الحديث، قال: لكونه مقصودًا بالدلالة على أنها ليست محلًّا للصوم، وأنَّ ذاتها باعتبار ما هي مؤهلة له، كأنها منافية للصوم.
والذي يظهر لي -والله أعلم- هو ترجيح عموم الآية؛ لحديث ابن عمر، وعائشة رضي الله عنهم، الذي في الباب.
فقولهما: (لم يرخص) يحتمل أنهما أرادا: لم يرخص النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وعلى هذا فلا إشكال، ويحتمل أنهما فهماه من الآية المتقدمة -وهو أقرب- وعلى هذا ففهمهما لذلك من القرائن في ترجيح عموم الآية.
ومما يدل على ذلك أنَّ الصوم إنما يجب على المتمتع عند عدم وجود
الهدي، والهدي إنما يلزمه يوم النحر، فلو أنَّ إنسانًا ظنَّ أنه سيجد هديًا يوم النحر فلم يجد، أو فقد ماله يوم النحر؛ فإنه ليس له سبيل إلا أنْ يصوم أيام التشريق.
وقد أشار إلى نحو ما ذكرته ابن جرير الطبري في «تفسيره» (2/ 250).
وعلى هذا: فالصحيح من الأقوال هو القول الثالث، ويخصص عموم الحديث؛ لأنه مرجوح بعموم الآية؛ لأنه راجح، فيكون صيام أيام التشريق محرمًا؛ لدلالة الحديث إلا على المتمتع الذي لم يجد الهدي؛ لعموم الآية، والله أعلم.
(1)
(1)
انظر: «الفتح» (1996)، «نيل الأوطار» (1754)، «سبل السلام» (4/ 166 - )، «المجموع» (6/ 443)، «المفهم» (3/ 199)، «تفسير القرطبي» (2/ 400 - 401)، «المحلَّى» (802)، «المحلَّى» (4/ 94).