الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة [4]: هل يُشترط للاعتكاف أن يكون في المسجد
؟
أما بالنسبة للرجل:
فقال ابن قدامة رحمه الله في «المغني» (4/ 461): وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ إذَا كَانَ الْمُعْتَكِفُ رَجُلًا، لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الله تَعَالَى:{وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} ، فَخَصَّهَا بِذَلِكَ، وَلَوْ صَحَّ الِاعْتِكَافُ فِي غَيْرِهَا، لَمْ يَخْتَصَّ تَحْرِيمُ الْمُبَاشَرَةِ فِيهَا؛ فَإِنَّ الْمُبَاشَرَةَ مُحَرَّمَةٌ فِي الِاعْتِكَافِ مُطْلَقًا. اهـ
وقد نقل الإجماع على ذلك ابن عبد البر، والقرطبي في «تفسيره» ، وشيخ الإسلام ابن تيمية، ولا يصح الإجماع، فقد وجد خلافٌ شاذٌّ لا يُلتفت إليه كما في «الفتح» .
وقد اختلفوا في هذا المسجد:
• فذهب بعضهم إلى اختصاصه بالمساجد الثلاثة، وهو قول حذيفة، وخصَّه عطاء بمسجد مكة والمدينة، وابن المسيب بمسجد المدينة.
• وذهب الجمهور إلى عمومه في كل مسجد؛ إلا من تلزمه الجمعة فاستحب له الشافعي الجامع، وشرطه مالك؛ لأنَّ الاعتكاف عنده ينقطع بالجمعة. وقال بقول مالك، الزهري، والحكم، وحماد.
• وذهب أبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور إلى صحته بالمسجد الذي تُقام فيه الصلوات الخمس، وإن لم تقم فيه الجمعة.
وهذا القول هو الراجح؛ لأنه إن اعتكف في مسجد لا تُقام فيه الجماعة فإما أن يترك الجماعة ويبقى في المسجد، وهذا لا يجوز، وإما أن يخرج كثيرًا، والخروج الكثير ينافي الاعتكاف، وهو مع ذلك يستطيع التحرز منه.
وأما حديث: «لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة»
(1)
، فقد اختُلِف في رفعه ووقفه، والرَّاجح وقفُه على حذيفة، ومع ذلك فقد حمله جماعةٌ من أهل العلم على نفي الأفضلية والكمال، لا على نفي الصحة.
وأما بالنسبة للمرأة:
• فذهب أبو حنيفة، والثوري إلى أنَّ لها أن تعتكف في مسجد بيتها، وهو قول الشافعي في القديم.
(1)
الحديث مداره على سفيان بن عيينة، يرويه عن جامع بن أبي شداد، عن أبي وائل، عن حذيفة، به، وقد اختلفوا فيه على سفيان في رفعه، ووقفه، فرواه عنه مرفوعًا: محمد بن الفرج القرشي البغدادي عند الإسماعيلي في «معجمه» (336)، وهو صدوق، وكذلك محمود بن آدم المروزي عند البيهقي في «الكبرى» (4/ 316)، وهو صدوق أيضًا، وكذلك سعيد بن منصور كما في «المحلى» (5/ 195)، وهو ثقة، وكذلك هشام بن عمار عند الطحاوي (4/ 20)، وهو صدوق له بعض الأخطاء.
ورواه عن ابن عيينة موقوفًا جماعة، وهم: عبدالرزاق كما في «مصنفه» (4/ 348)، والطبراني (9511) من طريقه، وهو ثقة إمام، وسعيد بن عبدالرحمن المخزومي، وابن أبي عمر العدني عند الفاكهي في «أخبار مكة» (2/ 149)، وهما ثقتان.
وتابع أبا وائل على وقفه: إبراهيم النخعي، أخرجه عبدالرزاق (4/ 347)، وابن أبي شيبة (3/ 91)، من طريق: الثوري، عن واصل الأحدب، عن إبراهيم، به. وإبراهيم النخعي لم يدرك حذيفة، ولكنه يحكي قصة وقعت لحذيفة مع ابن مسعود، ورواية النخعي عن ابن مسعود صحيحة؛ لكونه لا يرسل عنه إلا عن جماعة ثقات؛ وعليه: فيظهر لي ترجيح الموقوف، والله أعلم.