الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثلاثمائة واحدة؛ ففيها أربع شياه، ثم لا يتغير الفرض حتى تبلغ خمسمائة؛ فيكون في كل مائةٍ: شاةٌ؛ لأن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- جَعَلَ الثلاثمائة حدًّا للوقص وغايةً له، فيجب أن يتعقبه تغير النصاب كالمائتين، وهذا قياسٌ يرده قول النبي:«فإذا زادت على ثلاثمائة؛ ففي كل مائةٍ: شاةٌ» ، واللفظ الآخر الذي تقدم، والصواب هو قول الجمهور، والله أعلم.
(1)
مسألة [17]: العيوب التي لا تؤخذ في زكاة الماشية
.
جاء في حديث أنس المذكور في الكتاب: «ولا يؤخذ في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار، ولا تيس؛ إلا أنْ يشاء المصدق» .
الهرمة: هي الكبيرةُ السِّن، التي قد سقطت أسنانها، وذات العوار: بفتح العين، أي: ذات العيب، والتيس هو: فحل الغنم.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله (1455): (الْمُصَدِّق) اُخْتُلِفَ فِي ضَبْطِهِ، فَالْأَكْثَر عَلَى أَنَّهُ بِالتَّشْدِيدِ يعني تشديد الصاد وَالْمُرَادُ: الْمَالِكُ، وَهَذَا اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد، وَتَقْدِير الْحَدِيث: لَا تُؤْخَذُ هَرِمَة وَلَا ذَاتُ عَيْبٍ أَصْلًا، وَلَا يُؤْخَذُ التَّيْس، وَهُوَ فَحْل الْغَنَم؛ إِلَّا بِرِضَا الْمَالِكِ؛ لِكَوْنِهِ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، فَفِي أَخْذِهِ بِغَيْرِ اِخْتِيَارِهِ إِضْرَار بِهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
قال: وَعَلَى هَذَا فَالِاسْتِثْنَاء مُخْتَصّ بِالثَّالِثِ، وَمِنْهُمْ مَنْ ضَبَطَهُ بِتَخْفِيف الصَّاد، وَهُوَ السَّاعِي، وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى التَّفوِيضِ إِلَيْهِ فِي اِجْتِهَادِهِ؛ لِكَوْنِهِ
(1)
انظر: «المغني» (4/ 39)، «المجموع» (5/ 417 - 418)، «ابن أبي شيبة» (3/ 133).
يَجْرِي مَجْرَى الْوَكِيلِ؛ فَلَا يَتَصَرَّفُ بِغَيْرِ الْمَصْلَحَةِ، فَيَتَقَيَّدُ بِمَا تَقْتَضِيه الْقَوَاعِدُ، وَهَذَا قَوْل الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيّ، وَلَفْظه: وَلَا تُؤْخَذُ ذَات عَوَارٍ، وَلَا تَيْس، وَلَا هَرِمَة؛ إِلَّا أَنْ يَرَى الْمُصَدِّقُ أَنَّ ذَلِكَ أَفْضَل لِلْمَسَاكِينِ، فَيَأْخُذُهُ عَلَى النَّظَرِ. اِنْتَهَى. وَهَذَا أَشْبَهُ بِقَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ فِي تَنَاوُلِ الِاسْتِثْنَاءِ جَمِيع مَا ذُكِرَ قَبْلَهُ، فَلَوْ كَانَتْ الْغَنَمُ كُلُّهَا مَعِيبَة مَثَلًا، أَوْ تُيُوسًا؛ أَجْزَأَهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهَا، وَعَنْ الْمَالِكِيَّةِ: يَلْزَمُ الْمَالِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ شَاة مُجْزِئَةً؛ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عِنْدَهُمْ كَالْأَوَّلِ. اهـ
قلتُ: وهناك اختلاف آخر في ضبط (الْمُصَدِّق)، فذهب أبو عبيد إلى أنها بتخفيف الصاد، وفتح الدَّال المشددة، أي: صاحب المال، وتعقَّبَه الخطَّابي بأنَّ أكثر الرُّواة يضبطونه بتخفيف الصاد، وكسر الدال المشددة، أي: السَّاعي. وقد تقدم من كلام الحافظ رحمه الله معنى الروايتين.
وقال ابن قدامة رحمه الله في «المغني» (4/ 40 - 41): وَعَلَى هَذَا لَا يَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ، وَهُوَ السَّاعِي، أَحَدَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ؛ إلَّا أَنْ يَرَى ذَلِكَ، بِأَنْ يَكُونَ جَمِيعُ النِّصَابِ مِنْ جِنْسِهِ؛ فَيَكُونَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ، فَيَأْخُذَ هَرِمَةً، وَهِيَ الْكَبِيرَةُ مِنْ الْهَرِمَاتِ، وَذَاتَ عَوَارٍ مِنْ أَمْثَالِهَا، وَتَيْسًا مِنْ التُّيُوسِ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: إنْ رَأَى الْمُصَدِّقُ أَنَّ أَخْذَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ خَيْرٌ لَهُ، وَأَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ، فَلَهُ أَخْذُهُ؛ لِظَاهِرِ الِاسْتِثْنَاءِ. اهـ