الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
594 -
وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ العَبَّاسَ رضي الله عنه سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي تَعْجِيلِ صَدَقَتِهِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ، فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالحَاكِمُ.
(1)
المسائل والأحكام المستفادة من الحديث
مسألة [1]: حكم تعجيل الزكاة قبل تمام الحول بعد سبب الوجوب
.
قال البغوي رحمه الله في «شرح السنة» (1577): واختلف أهل العلم في تعجيل الزكاة قبل تمام الحول، فذهب أكثرهم إلى جوازه، وهو قول الزهري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي. وقال الثوري: أُحِبُّ أن لا تعجل. وذهب قومٌ إلى أنه لا يجوز التعجيل، ويعيد لو عجل، وهو قول الحسن، ومذهب مالك. قال: واتفقوا على أنه لا يجوز إخراجها قبل كمال
(1)
ضعيف. أخرجه الترمذي (678)، والحاكم (3/ 332)، وأخرجه أيضًا أحمد (1/ 104)، وابن ماجه (1795)، والدارقطني (2/ 123)، والبيهقي (4/ 111) كلهم من طريق إسماعيل بن زكريا عن حجاج بن دينار عن الحكم عن حجية بن عدي عن علي به. وهذا إسناد ضعيف لجهالة حال حجية بن عدي.
وقد رواه الترمذي (679)، من طريق إسرائيل عن حجاج فقال:(عن حجر العدوي) وقال (الحكم ابن حجل). قال الترمذي: ورواية إسماعيل عندي أصح. اهـ
قلتُ: وحجر العدوي استظهر الحافظ أنه هو نفسه حجية بن عدي، وإلا فهو مجهول.
قلتُ: وهذه الطريق معلة سواء كان هو نفسه أو غيره. فقد رواه منصور عن الحكم عن الحسن ابن مسلم بن يناق عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مرسلًا، ورجح رواية الإرسال أبوداود، والدارقطني كما في «التلخيص» (2/ 316)، و «العلل» للدارقطني (3/ 187) رقم (351)، وكذلك البيهقي كما في «الكبرى» (4/ 111)، وقد رجَّح أبو حاتم، وأبو زرعة المرسل على طريق أخرى كما في «العلل» لابن أبي حاتم (623).
قلتُ: والحسن بن مسلم ليس له سماع من الصحابة فتكون روايته معضلة.
النصاب، ولا يجوز تعجيل صدقة عامين عند الأكثر. اهـ
قلتُ: ووافق مالكًا على عدم جواز التعجيل ربيعةُ، والليث، وداود الظاهري، ونصر ذلك ابن حزم رحمه الله.
وقد استدل الجمهور على جواز تعجيل الزكاة بحديث الباب، وبحديث أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ العباس منع الزكاة، فقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:«أما العباس فهي عليَّ ومثلها معها» متفق عليه.
(1)
فقالوا: معناه: أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قد تعجل منه صدقة عامين، كما جاء ذلك في بعض الروايات، منها: ما أخرجه البيهقي (4/ 111) بإسناد صحيح إلى أبي البختري عن علي رضي الله عنه بنحو حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه:«أما علمت يا عمر أنَّ عم الرجل صنو أبيه، إنا كنا احتجنا فاستلفنا العباس صدقة عامين» ، ورجاله ثقات إلا أنه منقطع؛ لأنَّ أبا البختري لم يدرك عليًّا رضي الله عنه، كما في «جامع التحصيل» .
وقالوا: حقوق الأموال كلها جائزٌ تعجيلها قبل أجلها قياسًا على ديون الناس المؤجلة، وحقوقهم، كالنفقات وغيرها.
وقد أجاب القائلون بعدم جواز التعجيل عن حديثهم بأنه ضعيفٌ.
وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي في «الصحيحين» فليس فيه التنصيص على ما ذكروا، بل يحتمل أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- تحمَّل الصدقة عن عمه العباس كما هو ظاهر اللفظ، ويؤيد ذلك أنَّ عمر بن الخطاب لم يكن ليقول:(منع العباس)، وهو قد
(1)
أخرجه البخاري برقم (1468)، ومسلم برقم (983).
قدمها، ولكان النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- سيخبره أن العباس قد قدمها؛ فلا يأخذ منه، أو لاعتذر العباس بأنه قد قدم الصدقة.
وأجابوا على القياس على ديون الناس: بأنَّ الدَّيْنَ واجبٌ في الذمة من حين أخذه، وأما الزكاة فلا تجب إلا بحلول الحول، فقياس ما لم يجب على ما قد وجب في الأداء باطل.
قالوا: وأولى أن يُقاس تعجيل الزكاة قبل وقتها على تعجيل الصلاة قبل وقتها، والصوم قبل وقته.
قال ابن حزم رحمه الله: نَسْأَلُهُمْ: أَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ قَبْلَ الْحَوْلِ، أَمْ لَمْ تَجِبْ؟ فَإِنْ قَالُوا: لَمْ تَجِبْ. قُلْنَا: فَكَيْفَ تُجِيزُونَ أَدَاءَ مَا لَمْ يَجِبْ، وَمَا لَمْ يَجِبْ فِعْلُهُ تَطَوُّعٌ؟ وَمَنْ تَطَوَّعَ فَلَمْ يُؤَدِّ الْوَاجِبَ. وَإِنْ قَالُوا: قَدْ وَجَبَتْ. قُلْنَا: فَالْوَاجِبُ إجْبَارُ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ عَلَى أَدَائِهِ
…
قال: وَنَسْأَلُهُمْ: كَيْفَ الْحَالُ إنْ مَاتَ الَّذِي عَجَّلَ الصَّدَقَةَ قَبْلَ الْحَوْلِ، أَوْ تَلِفَ الْمَالُ قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ مَاتَ الَّذِينَ أَعْطُوهَا قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ خَرَجُوا عَنِ الصِّفَاتِ الَّتِي بِهَا تُسْتَحَقُّ الزَّكَوَاتُ؟ فَصَحَّ أَنَّ تَعْجِيلَهَا بَاطِلٌ، وَإِعْطَاءٌ لِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا، وَمَنْعٌ لِمَنْ يَسْتَحِقُّهَا، وَإِبْطَالُ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ؛ وَكُلُّ هَذَا لَا يَجُوزُ. اهـ
قال أبو عبد الله غفر الله له: القول بجواز التعجيل أظهر؛ لحديث أبي هريرة، وعلي اللذين تقدما، وما ذكره ابن حزم مُعَارَضٌ بالحديث.
والذي نختاره: عدم التعجيل إلا لحاجة، وبالله التوفيق.
وقد أفتى بجواز التعجيل الإمام الألباني، والإمام ابن باز، والإمام العثيمين رحمة الله عليهم أجمعين.
(1)
(1)
انظر: «المغني» (4/ 79)، «المحلَّى» (693)، «مجموع الفتاوى» (25/ 85).