الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
635 -
وَلَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ
(1)
شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ».
(2)
المسائل والأحكام المستفادة من الأحاديث
مسألة [1]: حكم صيام يوم الشك
.
• ذهب الجمهور إلى أنَّ يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال ما يمنع الرؤية من سحابٍ، أو غيمٍ، أو دخانٍ، أو نحو ذلك، وهو رواية غير مشهورة عن أحمد، وذهبوا إلى تحريم صومه؛ لحديث عمار رضي الله عنه الذي في الباب، وحديث ابن عمر، وأبي هريرة رضي الله عنهم كذلك. وثبت عن عمر رضي الله عنه، كما في «مصنف ابن أبي شيبة» (3/ 73)، أنه قال: ليتق أحدكم أن يصوم يومًا من شعبان، أو يفطر يومًا من رمضان؛ فإن تقدم قبل الناس؛ فليفطر إذا أفطر الناس. وإسناده صحيح.
وقد رجَّح كون يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا حال دون الرؤية حائل شيخ الإسلام، وابن القيم، وابن عبد الهادي، والحافظ، والصنعاني، والشوكاني، وغيرهم من أهل العلم.
قال ابن الجوزي رحمه الله في «التحقيق» : ولأحمد في هذه المسألة وهي ما إذا حال دون مطلع الهلال غيم، أو قتر ليلة الثلاثين من شعبان ثلاثة أقوال: أحدها: يجب صومه على أنه من رمضان. وثانيهما: لا يجوز فرضًا، ولا نفلًا مطلقًا، بل قضاءً،
(1)
في (أ) و (ب): «العدة» بدون قوله «شعبان» ، والمثبت من «البخاري» .
(2)
أخرجه البخاري برقم (1909).
وكفارةً، ونذرًا، ونفلًا وافق عادةً. ثالثها: المرجع إلى رأي الإمام في الصوم والفطر. اهـ
والمشهور عن أحمد القول الأول، واستدل عليه بقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:«فاقدروا له» ، قالوا: وذلك بمعنى (ضيقوا عليه)، مثل قوله تعالى:{فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء:87]، وقوله:{يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الرعد:26]، فالتضييق لا يكون إلا بأن يحسب له أقل زمان يطلع فيه، وهو طلوعه ليلة الثلاثين.
قالوا: ويؤيد ذلك أنه قد جاء عن ابن عمر، وعائشة، وأسماء بنت أبي بكر أنهم كانوا يصومونه، وهو ثابت عنهم
(1)
. وقال أبو هريرة رضي الله عنه: لأن أصوم اليوم الذي يشك فيه أحب إلي من أن أفطر يومًا من رمضان. أخرجه البيهقي (4/ 211) بإسنادٍ حسن.
وأجاب الجمهور عن استدلالهم بأن قوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «فاقدروا له» ، أي: احسبوا له تمام الثلاثين.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: أي انظروا في أول الشهر، واحسبوا تمام الثلاثين.
وقال ابن القيم رحمه الله: فإن القدر هو الحساب المقدر، والمراد به الإكمال كما قال:«فأكملوا العدة» ، والمراد بالإكمال إكمال عدة الشهر الذي غُمَّ. اهـ
(1)
أثر ابن عمر، وعائشة رضي الله عنهم أخرجه عنهما أحمد (6/ 125 - 126) بإسناد صحيح، وأثر أسماء رضي الله عنها أخرجه أحمد، وسعيد بن منصور كما في «زاد المعاد» (2/ 45) بإسنادين صحيحين.
ويؤيد ما قاله هذان الإمامان رواية مسلم: «فاقدروا له ثلاثين» ، وكذا فإنه قد جاءت أحاديث كثيرة فيها الأمر بإتمام العدة ثلاثين من قوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، ومن فعله، وقد ساق كثيرًا منها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في «شرح كتاب الصيام من العمدة» (1/ 78 - 89).
وأما استدلالهم بأفعال الصحابة المذكورين؛ فالعبرة بما رووا لا بما رأوا، وقد جاء عن غيرهم من الصحابة خلافهم، كعمَّار، وابن مسعود، وأنس، وغيرهم، وهي ثابتة عن المذكورين.
(1)
قال الشوكاني رحمه الله: والحاصل أنَّ الصحابة مختلفون في ذلك، وليس قول بعضهم بحجة على أحد، والحق ما جاء من الشارع. اهـ
وقال الصنعاني رحمه الله: واختلف الصحابة في ذلك، منهم من قال بجواز صومه، ومنهم من منع منه، وعدَّه عصيانًا لأبي القاسم، والأدلة مع المُحَرِّمِين. اهـ
ومع ذلك فقد جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما بإسناد حسن عند ابن أبي شيبة (3/ 71) أنه قال: لو صمت السنة كلها؛ لأفطرت اليوم الذي يشك فيه. وكذلك جاء عن غيره من الصحابة ممن قالوا بالصوم المنع من الصوم.
قال الحافظ رحمه الله -في الجمع بين أثري ابن عمر-: فَالْجمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ فِي
(1)
أما أثر عمار رضي الله عنه، فقد خرَّجناه في «البلوغ» ، وأما أثر ابن مسعود رضي الله عنه، فأخرجه ابن أبي شيبة (3/ 71)، والبيهقي (4/ 209) بإسنادٍ حسن، ولفظه: لأن أفطر يومًا من رمضان، ثم أقضيه أحب إلي من أزيد فيه ما ليس منه. وأما أثر أنس رضي الله عنه، فأخرجه عبدالرزاق (4/ 159)، وابن أبي شيبة (3/ 71) بإسناد صحيح.
الصُّورَةِ الَّتِي أَوْجَبَ فِيهَا الصَّوْمَ لَا يُسَمَّى يَوْمَ شَكٍّ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ خَصَّ يَوْمَ الشَّكِّ بِمَا إِذَا تَقَاعَدَ النَّاس عَنْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ، أَوْ شَهِدَ بِرُؤْيَتِهِ مَنْ لَا يَقْبَلُ الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُ، فَأَمَّا إِذَا حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ شَيْء؛ فَلَا يُسَمَّى شَكًّا. اهـ
وقد حمل شيخ الإسلام أفعال الصحابة في ذلك كما حمله الحافظ ابن حجر رحمه الله كما في «شرح كتاب الصيام من العمدة» (1/ 105 - ).
ثم ذكر رحمه الله جوابًا آخر (1/ 126)، وهو أن تحمل الآثار في الصوم على الجواز والاستحباب، وتُحمل أحاديث الفطر على عدم الوجوب، ويكون التغليظ فيها على من يجزم بأنه من رمضان، ويعتقد وجوب صومه كوجوب صوم الذي يليه حتى يلحق برمضان ما لم يتيقن أنه منه
…
، ثم قال: والقياس يقتضي صحة هذا القول؛ فإنَّ إيجاب ما لم يتيقن وجوبه خلاف القياس، وكراهة التحري والاحتياط في العبادات خلاف القياس أيضًا.
وارتضى هذا الجواب ابن القيم في «زاد المعاد» .
قال أبو عبد الله غفر الله له: الذي يظهر -والله أعلم- هو تحريم صيام يوم الشك، حتى وإن كان للاحتياط والتحري، وحتى إذا لم يعتقد وجوبه؛ لما تقدم من الأدلة، وأما فعل الصحابة فقد عارضهم غيرهم من الصحابة؛ فوجب الرجوع إلى الأدلة كما تقدم في كلام الصنعاني، والشوكاني، والله أعلم.
(1)
(1)
انظر: «فتح الباري» (1906)، «سبل السلام» (4/ 106)، «زاد المعاد» (2/ 41 - 46)، «نيل الأوطار» (1630)، «شرح كتاب الصيام من العمدة» (1/ 75 - 126)، «التمهيد» (7/ 148 - ).