الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5200
- (إنما جعلت الخطبة مكان الركعتين، فإن لم يدرك الخطبة؛ فليصل أربعاً) .
لا أصل له مرفوعاً
وإنما روي موقوفاً، أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 128) بإسناد صحيح عن يحيى بن ابي كثير قال: حدثت عن عمر بن الخطاب أنه قال:
…
فذكره.
ورواه عبد الرزاق أيضاً في "مصنفه"(3/ 237/ 5484) مختصراً.
وهذا إسناد ضعيف؛ لجهالة الواسطة بين يحيى وعمر.
ومثله في الانقطاع: ما أخرجه هو، وعبد الرزاق (3/ 237/ 5485) عن عمرو بن شعيب عن عمر بن الخطاب قال:
كانت الجمعة أربعاً، فجعلت ركعتين من أجل الخطبة، فمن فاتته الخطبة؛ فليصل أربعاً.
ثم روى ابن أبي شيبة بسند صحيح عن ابن عون قال:
ذكر لمحمد قول أهل مكة: إذا لم يدرك الخطبة صلى أربعاً؟ فقال: ليس هذا بشيء.
قلت: ومحمد: هو ابن سيرين التابعي الجليل، وابن عون؛ اسمه عبد الله بن عون بن أرطبان، أبو عون البصري؛ وهو ثقة ثبت.
ويشير بقوله: "أهل مكة" إلى ما رواه ابن أبي شيبة أيضاً بسند صحيح عن عطاء وطاوس ومجاهد قالوا:
إذا فاتته الخطبة يوم الجمعة؛ صلى أربعاً.
ورواه عبد الرزاق (3/ 238/ 5486) عن ابن جريج عن عطاء به أتم منه.
واعلم أنه حملني على كتابة هذا التحقيق في أثر عمر المذكور: أنني رأيت الشيخ مهدي حسن الشاه جهانبوري ذكر في كتابه "السيف المجلى على المحلى"(3/ 65) أن الخطبة جزء الصلاة ونصفها كما ورد في الحديث المرفوع والموقوف على عمر بن الخطاب رضي الله عنه على ما في "كنز العمال".
فاستغربت ما ذكره من الرفع، فرجعت إلى المصدر الذي عزاه إليه:"الكنز"؛ فرأيت قد ذكر فيه (4/ 273/ 5618) هذا الأثر موقوفاً على عمر من قوله من رواية عبد الرزاق وابن أبي شيبة كما خرجناه عنهما؛ فتيقنت أن الشيخ وهم في رفعه، وعزوه إلى "الكنز" مرفوعاً.
وله من مثل هذا الوهم في كتابه المذكور الشيء الكثير، ومن أقربها إلى ما نحن فيه: ما ذكره في (3/ 66) : أن النبي صلى الله عليه وسلم سكت عن الخطبة حتى فرغ من صلاته؛ كما في "السنن".
كذا قال! ومن المعلوم أن المقصود من كلمة "السنن" عند الإطلاق "السنن الأربعة" أو أحدها، وليس الحديث المذكور في شيء منها مطلقاً، فإن كان الشيخ يعلم ذلك؛ فهو تدليس خبيث، وإن كان لا يعلم؛ فالأمر كما قيل: أحلاهما مر!
وإنما أخرج الحديث: الدارقطني في "سننه"(ص 169)، وأعله بالإرسال؛ فإنه أخرجه من طريق عبيد بن محمد العبدي: حدثنا معتمر عن أبيه عن قتادة عن أنس قال:
دخل رجل - من قيس - المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"قم؛ فاركع ركعتين"؛ وأمسك عن الخطبة حتى فرغ من صلاته. وقال الدارقطني:
"أسنده هذا الشيخ عبيد بن محمد العبدي عن معتمر عن أبيه عن قتادة عن أنس، ووهم فيه، والصواب: عن معتمر عن أبيه مرسل، كذا رواه أحمد بن حنبل وغيره عن معتمر". ثم رواه بإسناده عن أحمد مرسلاً.
ثم أخرجه هو، وابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 110) عن هشيم عن أبي معشر عن محمد بن قيس به نحوه. وقال:
"هذا مرسل لا تقوم به حجة، وأبو معشر اسمه نجيح، وهو ضعيف".
ونقله الزيلعي في "نصب الراية"(2/ 203) وأقره، ومر عليه محققه الحنفي، فلم يعلق عليه بشيء؛ مع أنه خلاف مذهبه؛ فإنهم أجابوا عن حديث جابر في قوله صلى الله عليه وسلم لسليك:"قم؛ فصل ركعتين وتجوز فيهما"؛ أجاب الحنفية عنه بأجوبة مردودة؛ أحدها: ما دل عليه هذا الحديث المعلول: أن النبي صلى الله عليه وسلم أنصت له حتى فرغ من صلاته!!
وهذا الجواب قد رده الحافظ الزيلعي من جهة أخرى؛ فإنه قال - جزاه الله خيراً على إنصافه وتجرده عن العصبية المذهبية؛ خلافاً لجماهيرهم -:
"وهذا الجواب يرده ما في الحديث (يعني: حديث سليك في رواية) : "إذا جاء أحدكم والإمام يخطب أو قد خرج؛ فليصل ركعتين". أخرجه البخاري ومسلم. وأخرجه مسلم في قصة سليك؛ كما تقدم".
وإن من عجائب هؤلاء المتعصبة: أنهم يحتجون بالحديث الضعيف على خصومهم لرد أحاديثهم الصحيحة؛ ثم هم لا يعملون بما احتجوا به: عليهم؛ فهذا حديث الترجمة مثلاً، فإنهم لا يقولون بما فيه صراحة:"فإن لم يدرك الخطبة؛ فليصل أربعاً"؛ كيف وهم قد ردوا الحديث الصحيح: "من أدرك ركعة من الجمعة؛ فليصل إليها أخرى"؟! [انظر "الأجوبة النافعة" (ص 41) ، و "الإرواء" (615) ] فقالوا: بل من أدرك الإمام في الجمعة قبل السلام؛ فإنه يتمها ولا يصليها أربعاً؛ خلافاً للآثار الصحيحة عن ابن مسعود وابن عمر وغيرهما!
ومن البين الواضح أن من لم يعمل بهذه الآثار والحديث الموافق لها؛ لا يعمل من باب أولى بحديث الترجمة الذي احتجوا به على مخالفيهم في مجال آخر.
وإليك مثالاً آخر: الحديث المرسل المتقدم؛ فإنهم لا يعملون به، بل إنه لا يمكن العمل به، وذلك من أدلة ضعفه؛ لأن لازمه أنه كلما دخل داخل يريد أن يصلي التحية؛ فعلى الخطيب أن يمسك عن خطبته حتى يفرغ!! ولذلك؛ قال ابن المنير في رد جواب الحنفية المتقدم:
"إن الحديث لو ثبت؛ لم يسغ على قاعدتهم؛ لأنه يستلزم جواز قطع الخطبة لأجل الداخل، والعمل عندهم لا يجوز قطعه بعد الشروع فيه؛ لا سيما إذا كان واجباً". نقلته من "فتح الباري"(2/ 409 - طبعة الخطيب) .
ومن أوهام الشيخ مهدي قوله (3/ 29) :
"ألم يقرع بسمع (كذا) ابن حزم قوله صلى الله عليه وسلم: عليكم بالسواد الأعظم
…
"!! فجزم بنسبة هذا الحديث إليه صلى الله عليه وسلم؛ ولا يصح؛ كما سبق بيانه برقم (2896) .
وكذلك صحح الحديث المتقدم (59) : ".. أصحابي كالنجوم
…
"
وحديث (87) : "إذا صعد الخطيب المنبر؛ فلا صلاة ولا كلام"!! تأييداً لمذهبه، ورداً للأحاديث الصحيحة؛ كما تقدم بيانه هناك. وحديث السواد الأعظم يحتج به الشيخ على ابن حزم لمخالفته الجمهور في قوله بوجوب غسل الجمعة،ولا يشعر المسكين أنه حجة عليه - لو صح - في عشرات المسائل بل مئاتها التي خالف الحنفية فيها الجمهور، في الطهارة والصلاة والعقود وغيرها من أبواب الشريعة؛ وهو القائل عن نفسه في الكتاب المذكور (2/ 20) :
"وأنا حنفي غال في الحنفية"!! نسأل الله تعالى السلامة من كل بلاء ورزية، والوفاة على الملة الحنيفية!!
قلت: ومع هذه الأخطاء الفاحشة، الدالة على عدم معرفة الشيخ بهذا العلم الشريف؛ يتعصب له الشيخ محمد يوسف البنوري في رسالة "الأستاذ المودودي" (ص 50) فيصفه بأنه:
"أكبر محدث في عصره، وأفقه رجل في البلاد
…
"!!
ولئن صدق الشيخ البنوري في هذا الوصف؛ فما أرى السبب في مباينة ما في رسالة الشيخ من الأخطاء الكثيرة التي أثبتنا بعضها هنا؛ إلا أنه ألفها في حالة نفسية متوترة؛ حيث قال في آخر الجزء الأول منها:
"فرغت من تسويده سنة (1388) من الهجرة؛ وأنا مريض بمرض الفالج من خمسة أعوام، عاجز عن القيام والقعود إلا بمعين".
اللهم! متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعلها الوارث منا؛ إنك سميع مجيب!!