الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"لم نكتبه إلا بهذا الإسناد".
قلت: وهو ضعيف جداً؛ رشدين هذا؛ قال أحمد، والبخاري:
"منكر الحديث".
وضعفه جماعة. وقال ابن حبان في "المجروحين"(1/ 302) :
"كثير المناكير، يروي عن أبيه أشياء ليست حديث الأثبات عنه، كان الغالب عليه الوهم والخطأ".
والحديث؛ عزاه السيوطي في "الجامع الصغير" للديلمي أيضاً.
وقد ذكر المعلق على "ابن عدي" - الأستاذ السامرائي - أنه في "مسند الفردوس"(مخطوط ورقة 23 - تسديد القوس) .
ونقل عن العلائي أنه قال في رشدين: "ضعيف". لكن وقع في نقله: (راشد) ، وكذلك وقع في المقدمة! وهو من الأخطاء المطبعية الكثيرة والكثيرة جداً، التي وقعت في مطبوعته هذه، والظاهر أنه لم يقم هو بنفسه على تصحيح تجاربها. والله أعلم.
5399
- (يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال، فيغفرها الله لهم، ويضعها على اليهود والنصارى
…
فيما أحسب) (1) .
شاذ
أخرجه مسلم (8/ 105) من طريق شداد أبي طلحة الراسبي عن
(1) كتب الشيخ رحمه الله فوق هذا المتن في أصله: " مضى (1316) ".
قلت: لكن هنا فوائد ليست هناك. (الناشر)
غيلان بن جرير عن أبي بردة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
…
فذكره. قال أبو روح: لا أدري ممن الشك؟!
أورده شاهداً لما ساقه من قبل من ثلاثة طرق عن أبي بردة بلفظ:
"إذا كان يوم القيامة؛ دفع الله عز وجل إلى كل مسلم يهودياً أو نصرانياً، فيقول: هذا فكاكك من النار".
هذا لفظ طلحة بن يحيى عن أبي بردة. ولفظ عون وسعيد بن أبي بردة:
"لا يموت رجل إلا أدخل الله مكانه النار يهودياً أو نصرانياً".
قلت: وهذا أخرجه أحمد (4/ 391،398) - عنهما -، والطيالسي (499) - عن سعيد وحده -. وتابعهما عمارة القرشي: عند أحمد (4/ 407) .
وأما لفظ طلحة بن يحيى؛ فأخرجه أحمد أيضاً (4/ 410) ، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان"(2/ 80) .
وقد تابعه عليه بريد - وهو ابن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري -: عند أحمد (4/ 402) .
وتابعه أيضاً محمد بن المنكدر، ومعاوية بن إسحاق: عنده (4/ 407-408) .
وعبد الملك بن عمير: عند ابن عساكر بنحوه، وتقدم لفظه في "الصحيحة" برقم (1381) .
قلت: وطلحة بن يحيى وإن كان فيه كلام من قبل حفظه؛ حتى قال الحافظ فيه:
"صدوق يخطىء"!
فحديثه قوي بهذه المتابعات الكثيرة، لا سيما وله شاهد من حديث أنس، ذكرته تحت الرقم المذكور، فالحديث بهذين اللفظين صحيح.
وأما اللفظ الأول؛ فهو منكر أو شاذ على الأقل؛ لأنه تفرد به الراسبي، وهو وإن كان وثقه أحمد وغيره؛ فقد ضعفه شيخه عبد الصمد بن عبد الوارث. وقال العقيلي:
"له غير حديث لا يتابع عليه". وقال ابن حبان:
"ربما أخطأ". وقال الدارقطني:
"يعتبر به". وقال الحاكم أبو أحمد:
"ليس بالقوي عندهم".
قلت: فهذه الأقوال تدل على أن الرجل لم يكن قوياً في حفظه، وإن كان صدوقاً في نفسه. ولذلك؛ لم يخرج له مسلم إلا في الشواهد؛ كهذا الحديث. وقال الحافظ في "التقريب":
"صدوق يخطىء"(1) .
فمثله حديثه مرشح للتقوية بالشاهد والمتابعة، أو للضعف بالمخالفة كحديث الترجمة.
وبها أعله البيهقي، فقال في "شعب الإيمان"(1/ 266-267) - بعد أن
(1) وأما قول الذهبي في " الكاشف ": " وثقه أحمد وغيره، وضعفه من لا يعلم "!
فأظن أن في العبارة تحريفاً، وإلا؛ فكيف يجوز وصف من ضعفه بأنه لا يعلم، وفيهم جمع من أهل العلم المعروفين؟! كما يشير إلى ذلك كلام البيهقي، وسمينا من عرفنا منهم.
ساق الحديث الصحيح من الطرق الثلاث عند مسلم وأتبعه بحديث الترجمة -:
"فهذا حديث شك فيه [بعض] رواته، وشداد أبو طلحة ممن تكلم أهل العلم بالحديث فيه، وإن كان مسلم استشهد به في كتابه؛ فليس هو ممن يقبل منه ما يخالف فيه، والذين خالفوه في لفظ الحديث عدد، وهو واحد، وكل واحد ممن خالفه أحفظ منه، فلا معنى للاشتغال بتأويل ما رواه، مع خلاف ظاهر ما رواه الأصول الصحيحة الممهدة في أن لا تزر وازرة وزر أخرى. والله أعلم".
قلت: وهذا منه رحمه الله في غاية التحقيق، وإليه يرجع الفضل في تنبهي لهذه العلة، بعد أن كنت أوردت الحديث في "صحيح الجامع" برقم (7891) اعتماداً مني على الإمام مسلم، وليس بتحقيقي؛ اتباعاً للقاعدة الغالبة: أن ما أخرجه الشيخان أو أحدهما؛ فقد جاوز القنطرة، لا سيما والعمر أقصر، والوقت أضيق من التوجه إلى نقد "الصحيحين"؛ للتعرف على الأحاديث القليلة التي يمكن أن تكون معلولة عند العارفين بهذا العلم. بينما مجال نقد أحاديث غيرهما من كتب السنة واسع جداً.
وهذا ما جريت عليه في كل مؤلفاتي؛ إلا في بعض الأحوال النادرة، مما جرني إليه البحث والتحقيق، أو نبهني على ذلك بعض من سبقني من أهل العلم والتوفيق، كهذا الحديث، والحمد لله وحده.
من أجل ذلك - وتعاوناً على البر والتقوى - أرجو من كل من كان عنده نسخة من "ضعيف الجامع الصغير" أن ينقل إليه هذا الحديث، والله تعالى أسأل أن يغفر لنا خطايانا، وأن لا يؤاخذنا بما نسينا أو أخطأنا؛ إنه سميع مجيب!
هذا؛ وممن لم يتنبه لعلة هذا الحديث الإمام النووي رحمه الله؛ فإنه تأوله
توفيقاً بينه وبين الأصول التي أشار إليها البيهقي رحمه الله تعالى؛ ولا حاجة إلى ذلك كما سبق.
وأما كون الكافر في النار مكان المسلم فيها. وفكاكاً له منها؛ فقد جاء بيانه في قوله صلى الله عليه وسلم:
"ما منكم من أحد إلا له منزلان: منزل في الجنة، ومنزل في النار، فإذا مات فدخل النار؛ ورث أهل الجنة منزله، فذلك قوله تعالى: (أولئك هم الوارثون) ".
وهو مخرج في "الصحيحة"(2279) .
ونحوه في "صحيح البخاري"(6569) ، وهو من حديث أبي هريرة.
وبه احتج البيهقي على ما ذكرنا من المعنى، فقال عقبه:
"ويشبه أن يكون هذا الحديث تفسيراً لحديث الفداء، فالكافر إذا أورث على المؤمن مقعده من الجنة، والمؤمن إذا أورث على الكافر مقعده من النار؛ يصير في التقدير كأنه فدى المؤمن بالكافر. والله أعلم".
ونحوه في "شرح مسلم" للنووي؛ فراجعه إن شئت.
(فائدة) : قد أطال الإمام البخاري الكلام في إعلال حديث الفداء الصحيح هذا بذكر طرقه عن أبي بردة عن أبيه - وقد ذكرت آنفاً بعضها -، ثم ختم ذلك بقوله (1/ 1/ 37-39) :
"والخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشفاعة، وأن قوماً يعذبون ثم يخرجون: أكثر وأبين وأشهر"!