الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ألا إن نصر الله قريب الحصول، مؤكد الوقوع، ولكن في الوقت الذي يريده الله، وبحسب مقتضى الحكمة الإلهية التي يعلم بها الله، وقدّم الرسول في الرتبة لمكانته، ثم قدّم قول المؤمنين لأنه المتقدم في الزمان والحدوث قبل قول الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك القول.
ترشيد الإنفاق
المال حصيلة الجهد الإنساني، وأمانة عند صاحبه، فلا يجنيه إلا من كسب حلال مباح، ولا ينفقه إلا في موضع مشروع يفيد المالك والمجتمع. فإذا ما أنفق الإنسان ماله في طرق غير مشروعة وبذّر ماله ذات اليمين وذات الشمال، خسر وندم، وأضاع ماله، وخان الأمانة، ولم يرع حق الله في ماله.
والعاقل الرشيد الذي ينفق ماله فيما يجب عقلا وعرفا وشرعا، ويختار الأفضل، ويراعي الألزم والأوجب لمن يحتاج للنفقة، وهؤلاء العقلاء الراشدون يسألون عادة عن وجوه الإنفاق السليمة وعمن هو أحق الناس بالنفقة،
وقد سأل جماعة من المؤمنين النّبي صلى الله عليه وسلم عن مقدار ما ينفقون وعن بيان الجهة التي ينفقون فيها، نفقة التطوع، لا الزكاة الواجبة المفروضة. وكان أحد السائلين عمرو بن الجموح الأنصاري، وكان شيخا كبيرا ذا مال كثير، فقال: يا رسول الله، بماذا يتصدق، وعلى من ينفق؟ فنزلت الآية الكريمة في سورة البقرة:
[سورة البقرة (2) : آية 215]
يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)
[البقرة: 2/ 215] .
ومعنى الآية: أيّ مقدار تنفقونه قليلا كان أو كثيرا من المال، فهو لكم وثوابه خاص بكم، ومن أفضل ما تنفقون العطاء للوالدين والأولاد والزوجات لأنهم
القرابة القريبة، ثم للأقارب الأباعد، الأقرب فالأقرب، ثم لليتامى والمساكين وابن السّبيل، يعطون من هذا المال، وما تنفقوا من خير مطلقا، فإن الله سيجازي به لأنه عليم بكل شيء.
إن النفقة على الوالد والولد والزوجة وغيرهم له ثواب عند الله في الدار الآخرة، وإن كان واجبا شرعا وعرفا على الإنسان، وهذا من مزايا الإسلام وفضائله: أن المرء يقوم بواجبه، ومع ذلك يثاب عليه ويعدّ ذلك في سجل حسناته.
وقد بيّن النّبي صلى الله عليه وسلم أولويات النفقة وترتيب المستحقين لها
فقال فيما أخرجه مسلم: «دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك» .
وذكر الرّواة الثّقات سببا آخر للآية السابقة،
قال عطاء: نزلت الآية في رجل أتى النّبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي دينارا، فقال: أنفقه على نفسك، فقال: إن لي دينارين، فقال:
أنفقهما على أهلك، فقال: إن لي ثلاثة، فقال: أنفقها على خادمك، فقال: إن لي أربعة، فقال: أنفقها على والديك، فقال: إن لي خمسة، فقال: أنفقها على قرابتك، فقال: إن لي ستة، فقال: أنفقها في سبيل الله، وهو أخسّها، أي أقلّها أجرا.
يدلّ هذا الحديث على أن الإنفاق على الأسرة أفضل وجوه الإنفاق.
وتكون نفقة التطوع بعد النفقات الواجبة مما هو زائد عن الحاجة وهي سنة، لقوله تعالى:
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)[البقرة: 2/ 219] .