الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقبل عادة أن يمنح من غيره كل شيء، وهو منتظر التقاط النتائج، وتقديم الانتصارات على طبق من ذهب، لذا فالعمل شرف، والجهاد فضيلة وإثبات الذات مظهر تكريم وإعزاز.
عتاب المقصرين والمخالفين يوم أحد وبدر
يبين الله تعالى أن سبيل العزة والنصر والكرامة في الدنيا، والثواب في الآخرة، منوط بالجهاد والقتال، والصبر والتضحية، فليست الحياة العزيزة مفروشة بالورود، وليس الفوز والنصر مجرد منحة إلهية من غير عمل وجهاد، فلا بد للفوز في الدنيا من الصلاح والاستقامة ونصر دين الله وإقامة العدل، ومنع الظلم، وسلوك الطرق السوية المألوفة، وتلك هي سنة الله التي لا تتبدل ولا تتغير.
أبان الله تعالى هذه السنة وعرّفنا هذا المنهاج القويم، فقال سبحانه:
[سورة آل عمران (3) : الآيات 142 الى 144]
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143) وَما مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)
[آل عمران: 3/ 142- 144] .
والمعنى: لا يصح لكم أيها المؤمنون أن تصابوا بداء الغرور، فتفهموا أن دخول الجنة يكون من غير جهاد في سبيل الله، وصبر على المعارك الرهيبة، والجهاد أنواع:
جهاد العدو الظاهر بالسلاح والإعداد لطرده من الأوطان والبلاد، وجهاد النفس بمنعها من الأهواء والشهوات وحملها على الطاعة والفضيلة والعمل الصالح، وجهاد باللسان بالحرب الإعلامية الموجهة المدروسة، وجهاد حب المال عند البذل في
الأعمال العامة النافعة، وإذا لم يعلم الله وقوع الجهاد والصبر، فذلك دليل على عدم وقوعه بالفعل من المؤمنين.
ثم عاتب الله بعض المؤمنين الذين يعتمدون على الأماني والتمنيات، فلقد تمنى المتخلفون من المؤمنين يوم بدر حضور قتال المشركين مع النبي صلى الله عليه وسلم، لينالوا منزلتهم العالية، فلما جد الجد، وجاء يوم أحد، واحتدمت المعركة، لم يصدق كل المؤمنين في القتال، وتوانوا وقصّروا، وانحازوا إلى الجبل والرسول يدعوهم إلى الصمود والقتال، فلا يجيبه أحد.
قال الحسن البصري: بلغني أن رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون، أي يوم بدر: لئن لقينا مع النبي صلى الله عليه وسلم لنفعلن ولنفعلن، فابتلوا بذلك أي يوم أحد، فلا والله ما كلهم صادق، فأنزل الله: وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ.
وفي غزوة أحد أشيع خبر مقتل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال بعض المنافقين: لو كان نبيا ما قتل، من لنا برسول إلى عبد الله بن أبي (زعيم المنافقين) ليأخذ لنا الأمان عند أبي سفيان؟ وتبرأ أنس بن النضر إلى الله من مثل هذا الكلام، وجعل يقاتل حتى يقتل دفاعا عن الدين، وكانت هذه الإشاعة سببا في انفضاض بعض الناس عن مناصرة النبي صلى الله عليه وسلم، فعاتبهم الله بقوله: وما محمد إلا رسول كغيره من الرسل السابقين، إن مات كموسى وعيسى، أو قتل كزكريا ويحيى، فإن ديانتهم بقيت كما هي، وتمسك أتباعهم بها، فالمعقول والمطلوب أن تظلوا مؤمنين مجاهدين مخلصين كما كنتم، ثابتين على المبدأ ولو مات أو قتل، عاملين بمضمون رسالته على الدوام، فإن الرسول بشر كسائر الأنبياء، يموت كما مات الرسل قبله، وله في الدنيا مهمة مؤقتة تنتهي بانتهاء أجله، والله باق دائم، فمن كان يعبد الله فإن الله حي باق، ومن كان يعبد محمدا