الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما كان الله ليهلك أولئك الأقوام ظلما وجورا، ولكن كانوا يظلمون أنفسهم بسبب أفعالهم القبيحة وتكذيبهم الرسل، ومخالفة الحق، والعمل بالباطل.
والخلاصة: إن المنافقين يعملون على هدم قيم المجتمع، ويعادون الحضارة الإنسانية، فاستحقوا التدمير والمحق من الوجود، والعذاب في الآخرة.
المؤمنون بناة المجتمع الفاضل
بعد أن أبان الله تعالى صفات المنافقين والمنافقات، وأنهم هدامون لبنية المجتمع، وأعداء للحضارة الإنسانية الرشيدة، أعقب ذلك ببيان صفات المؤمنين والمؤمنات، وأنهم بناة المدنية والمجتمع المتحضر الفاضل، وعمار الكون وذوو الأهلية لإعلاء مجد الحضارة من الناحيتين المادية والمعنوية، وذلك لأنهم يشيدون صرح الفضيلة، ويقاومون الرذيلة، فاستحقوا البقاء والخلود في جنان الخلد، قال الله تعالى مبينا هذه الصفات الحميدة:
[سورة التوبة (9) : الآيات 71 الى 72]
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)
[التوبة: 9/ 71- 72] .
هذه هي صفات أهل الإيمان، إنها صفات إيجابية سامية، تخدم الفرد والجماعة، والأمة والمجتمع، ذكرها الله تعالى ترغيبا في الإيمان، وتنشيطا له، تلطفا من الله تعالى، مع مقارنة واضحة بين المؤمنين والمنافقين، فبين المؤمنين ولاية في الله خاصة ومناصرة لمبدأ الحق والعدل والفضيلة، وتعاون فيما بينهم وجزاؤهم الجنة، وأما
المنافقون فلا ولاية بينهم ولا شفاعة لهم، ولا يدعو بعضهم لبعض، وجزاؤهم نيران جهنم.
وهكذا شأن القرآن يذكر المتقابلات والأضداد، للعبرة والعظة، وإظهار الفروق، لاختيار الإنسان ما فيه المصلحة، وتجنب ما فيه المضرة والمفسدة، وليعلم المؤمنون أنهم يسيرون في طريق الهدى والرشاد، وأن المنافقين غير مؤمنين في الحقيقة، وهم سائرون في طريق الغواية والضلال.
تبين الآيات أن أهل الإيمان من الذكور والإناث متناصرون متعاضدون على الخير والمعروف والفضيلة وتقدم المجتمع، متآزرون في المواقف الصعبة كالهجرة والجهاد، الرجال يعتصمون بالعفة وغض البصر، والنساء يلتزمن الأدب الجم والحشمة والحياء والتعفف وغض البصر وقوة الحديث وستر اللباس وحسن العمل. الجميع يرتبطون برابطة الأخوة والإيمان، وتسودهم المحبة والمودة والتراحم والتعاطف، على عكس المنافقين الذين لا رابطة تجمعهم، ولا عقيدة تؤلف بينهم، وإنما هم أتباع بعضهم بعضا في الشك والجبن والبخل والانهزام والتردد.
المؤمنون نقيض المنافقين يأمرون بالمعروف الذي أقره الشرع وهو عبادة الله وتوحيده وتوابع ذلك، لا بالمنكر الذي نهى عنه الشرع، وينهون عن المنكر الذي يفسد ويضر، ويمزق ويفرق بين الأخ وأخيه وهو عبادة الأوثان وتوابعها، ويقيمون الصلوات الخمس المفروضة على الوجه الأكمل بقلوب خاشعة، وعقول واعية، وأفئدة ذاكرة، ويؤتون الزكاة الواجبة مع التطوع بالصدقات والنوافل لتحسين أوضاع المجتمع وترقية أحواله، ويطيعون الله ورسوله في جميع المأمورات والمندوبات، أولئك الموصوفون بهذه الصفات الجليلة ستغمرهم رحمة الله وفضله في الدنيا والآخرة. والتعبير بالسين في قوله تعالى: سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إعداد النفوس