الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[البقرة: 2/ 200- 202] . وقال سبحانه أيضا: مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20)[الشورى: 42/ 20] .
والدعوة للعمل لخيري الدنيا والآخرة دليل على أن الإسلام كفل لأتباعه وكل من سار على هديه سعادة الدنيا والآخرة، وهذا المنهاج المتوازن والخط المعتدل هو قوام الحياة الإسلامية- القرآنية التي تعتمد الدنيا وسيلة ومزرعة، والآخرة مقصدا وغاية، والله يحب المحسنين أعمالهم في دنياهم، وينشدون ثواب الله في آخرتهم.
واجب الشهود في شهاداتهم
لم نجد كالإسلام دينا يركز على مبدأ الحق والعدل في كل شيء، في المعاملة والتعاقد، والقضاء والشهادة، والحكم بين الناس لأن قوام المجتمع لا يكون إلا بالعدل، وسعادة الأفراد والجماعات لا تتوفر إلا بالعدل، ولن يحفظ النظام وتنضبط شؤون الملك والدنيا وأحوال أهلها إلا بالعدل، فالعدل أساس الملك الدائم، وقاعدة الاطمئنان والاستقرار.
والعدل في القرآن الكريم قائم على قاعدة الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، إذ لا ثواب عند الله تعالى ولا احترام لمبدأ الحق والعدل إلا إذا كان العمل كله مبنيّا على أصول الإيمان التي ذكرناها.
قال الله تعالى آمرا القضاة والشهود بالعدل، ومذكّرا بالإيمان وقواعده:
[سورة النساء (4) : الآيات 135 الى 136]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (135) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (136)
«1»
(1) مبالغين في القيام بالشيء على أتم وجه.
«1» «2» [النساء: 4/ 135- 136] .
قال السّدّي: لما نزلت آية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ في النّبي صلى الله عليه وسلم اختصم إليه رجلان: غني وفقير، وكان صلى الله عليه وسلم مع الفقير، يرى أن الفقير لا يظلم الغني، فأبى الله إلا أن يقوم بالقسط في الغني والفقير.
الأمر بالعدل إذن عام شامل الناس جميعا، لا فرق بين غني وفقير، ولا بين عالم وجاهل، ولا بين مسلم وغير مسلم، ولا بين كبير وصغير، يأمر الله تعالى عباده المؤمنين أن يلتزموا العدل في كل شيء، في أقوالهم وأفعالهم، وأن يتعاونوا ويتعاضدوا في إقامة العدل، دون أن تأخذهم في الله لومة لائم.
ومن أخصّ ما يطلب فيه العدل: الحكم بين الناس، والقضاء في الخصومات، وأداء الشهادات أمام القاضي وغيره، فعلى القائمين بهذه الوظائف أن يعملوا بالحق، ويشهدوا بالحق، ويتحرّوا الحق الذي يرضي الله تعالى، ويؤدّوا العمل أو الشهادة ابتغاء وجه الله، لتكون الشهادة صحيحة عادلة حقّا، من غير مراعاة أحد ولا محاباة.
إن نبراس العمل وأساس الشهادة بالحق المجرد، ولو كانت الشهادة على النفس والأقربين، ويكون ذلك بالإقرار بالحق وعدم كتمانه، فمن أقرّ على نفسه بحق، فقد شهد عليها لأن الشهادة إظهار الحق.
(1) كراهة أن تعدلوا عن الحق.
(2)
تتركوا إقامتها.
والشهادة بالحق على النفس والوالدين والأقارب أمر واجب، ولو عاد ضررها على هؤلاء لأن الإحسان إلى النفس والقرابة وبرّ الوالدين، لا يكون بالظلم والانحراف عن الحق، بل الإحسان والخير والبر وصلة القرابة في الحق والمعروف.
وليس للشاهد أن يراعي غنيّا لغناه أو يرحم فقيرا لفقره، بل يترك الأمر كله لله، فالله يتولى أمر الغني والفقير.
وليس للشهود اتّباع الهوى والمحاباة، لئلا يعدلوا عن الحق إلى الباطل، إذ في الهوى والمحاباة الزّلل والضّرر، فلا يجوز أن تؤدي العصبية وهوى النفس وبغض الناس إلى الظلم وترك العدل في الأمور والشؤون كلها، وإنما الواجب التزام العدل على أي حال، كما قال تعالى مبيّنا وجوب العدل حتى مع الأعداء: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ «1» عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى. [المائدة: 5/ 8] .
وإن تلووا ألسنتكم بالشهادة وتحرّفوها أو تعرضوا عن إقامة الشهادة وتكتموها، فاعلموا أن الله خبير بأعمالكم ومجازيكم عليها.
ثم أمر الله المؤمنين بالثبات والدوام على الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، دون تفرقة بين الكتب السابقة والقرآن العظيم لأن جميع الكتب الإلهية منزّلة من عند الله تعالى، ومن يجحد وينكر وجود الله ووحدانيته، ولا يصدق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، فقد ضلّ ضلالا بعيدا، وانحرف عن جادة الحق، ونور الهدى، وخرج عن المطلوب خروجا شديدا وبعيدا كل البعد عن الصواب والسّداد.
(1) أي لا يحملنكم كراهية قوم على ترك العدل معهم.