الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذه الآية في النضر بن الحارث الذي كان يقول في كتاب الله ما يقول، ومن أقاويله:
ما جاء في هذه الآية: ما هذا إلا أساطير القدماء، ونسب هذا القول للقرشيين، لأن النضر كان من أنبلهم وأفهمهم والمأخوذ بقوله، فكان إذا قال قولا، ردده كثير منهم واتبعوه عليه، حسبما يفعل الناس دائما بعلمائهم وفقهائهم.
إكرام العرب بالنبي صلى الله عليه وسلم
قد يظن بعض الأذكياء أنهم بذكائهم واغترارهم بفهمهم يستطيعون إدراك كل شيء، وفهم وقول كل شيء، متناسين أن القدرة العقلية البشرية محدودة متناهية، لا تتجاوز نطاقا معينا، ومن هؤلاء المغرورين بذكائهم ومعرفتهم بعض العرب مثل النضر بن الحارث الذي كان كثير السفر إلى فارس والحيرة، وكان يسمع قصص الرهبان والأناجيل، ويسمع أخبار رستم واسبنديار، فلما سمع القرآن، ورأى فيه من أخبار الأنبياء والأمم قال: لو شئت لقلت مثل هذا. وقال عن القرآن: إن هذا إلا أساطير الأولين،
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ويلك إنه كلام رب العالمين، فقال: اللهم إن كان هذا هو الحق فأمطر علينا حجارة من السماء، فنزلت الآيات التالية
تحكي قوله وترده إلى صوابه وتبين فضل النبي على العرب:
[سورة الأنفال (8) : الآيات 32 الى 35]
وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (32) وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) وَما لَهُمْ أَلَاّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَاّ الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (34) وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَاّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (35)
«1» [الأنفال: 8/ 32- 35] .
لقد تعددت ألوان المكر من المشركين بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى اضطر إلى الهجرة، وتمادوا في غيهم وضلالهم وحاولوا المكر في دين محمد، سواء بادعاء القدرة على الإتيان بمثل القرآن أو بوصفه بأنه أساطير الأولين، أي قصص السابقين المسطورة في الكتب دون تمحيص ولا تثّبت من صحتها.
وهذه الآيات إخبار من الله تعالى عن كفر قريش وعتوهم وتمردهم وادعائهم الباطل حين سماع آيات الله تتلى عليهم، فقالوا حسدا لمحمد على لسان زعمائهم مثل النضر بن الحارث وأبي جهل بن هشام: لو شئنا لقلنا مثل القرآن، فأمر الله نبيه أن يقول: واذكر يا محمد حين قالت قريش: اللهم إن كان هذا هو الحق المنزل من عندك، فعاقبنا بإنزال حجارة ترجمنا بها من السماء، كما عاقبت أصحاب الفيل، أو ائتنا بعذاب أليم أي مؤلم، سوى ذلك.
ولكن الله تعالى جلت حكمته ورحمته أمهلهم بالعذاب إكراما لنبي الله محمد صلى الله عليه وسلم، وأخبرهم معلنا فضله عليهم: وما كان من مقتضى سنة الله ورحمته وحكمته أن يعذبهم، والرسول موجود بينهم، لأنه إنما أرسله رحمة للعالمين، لا عذابا ونقمة، وما عذّب الله أمة ونبيها فيها، وكذلك ما كان الله ليعذبهم عذاب الاستئصال في الدنيا الذي عذّب بمثله بعض الأمم السالفة، وهم يستغفرون، أي إن بعض المؤمنين ما يزالوا يجاورون الكفار في مكة بعد الهجرة وهم يطلبون من الله المغفرة، أو أن بعض أولاد الكفار المولودين منهم يؤمنون بالله ويستغفرونه، أو أنهم في أثناء طوافهم بالكعبة كانوا يقولون: غفرانك، ولا عذاب في الدنيا مع الاستغفار.
(1) أي صفيرا وتصفيقا.
ويمكن أن يعذبهم الله بعذاب دون عذاب الاستئصال، فقال تعالى: وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أي من الممكن القريب أن يعذبهم الله بعذاب آخر غير الاستئصال، بسبب أنهم يمنعون الناس عن المسجد الحرام، ولو لأداء مناسك الحج وتعظيم البيت الحرام.
ومن كانت هذه حالته بصد الناس عن المسجد الحرام لم يكن وليا نصيرا للمسجد، ولا يستحق تولي أمره، وإنما هم يستحقون القتل بالسيف والمحاربة، وهذا رد لمزاعم قريش الذين كانوا يقولون: نحن أولياء البيت الحرام، نصد من نشاء، وندخل من نشاء، سلب الله منهم الولاية على البيت الحرام، وأعلمهم أنهم ليسوا أولياءه، فما أولياؤه وأحباؤه وحماته إلا المتقون المؤمنون المسلمون، ولكن أكثر الكفار المشركين حمقى جهلاء لا يعلمون أنهم ليسوا بأولياء البيت الحرام، بل يظنون أنهم أولياؤه.
وسبب عدم أهلية المشركين لولاية البيت الحرام: هو عدم تعظيمهم له في الحقيقة، فلم تكن صلاتهم عند البيت وتقرّبهم وعبادتهم إلا تصفيرا وتصفيقا، لا يحترمون حرمة البيت، ولا يعظمونه حق التعظيم، قال ابن عباس: كانت قريش تطوف بالبيت عراة تصفّر وتصفّق.
ومن كان هذا شأنه فهو أحق بسلب الولاية منه على البيت الحرام، وأجدر بالعقاب والعذاب، فليذوقوا القتل والأسر يوم معركة بدر، بسبب كفرهم وأفعالهم التي لا يقدم عليها إلا الكفرة، وهذا هو العذاب الذي طلبوه سفها منهم وطيشا وتحديا وعنادا.