الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واجتنب الرذيلة، فلا خوف عليهم من عذاب الآخرة، ولا يطرأ عليهم حزن على ما فات، ولا جزع على ما مضى. وهذا الفريق هم أهل السعادة والنجاة، وهم الذين شغلوا أعمارهم وأوقاتهم بالنافع المفيد.
والفريق الثاني وهم الذين كذبوا بآيات الله التّنزيلية والكونية، ولا سيما آيات القرآن المجيدة، وجحدوا بدلائل التوحيد والألوهية، والأحكام والشرائع الدينية، ورفضوا العمل بآيات الله واستكبروا عن قبولها والعمل بها كبرا وعنادا، فأولئك أصحاب النار، ماكثون فيها على الدوام، ومخلّدون فيها إلى الأبد بمشيئة الله تعالى.
وقوله تعالى: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها فيه حالتان تعمّ جميع من يصدّ عن رسالة الرّسول صلى الله عليه وسلم، فإما أن يكذب بحسب اعتقاده، وإما أن يستكبر فيكذب، وإن كان غير مصمم في اعتقاده على التكذيب. وفي كلا الحالين يكون المكذب عن عقيدة، والمستكبر عن غير عقيدة في التكذيب من الهالكين الخاسرين الذين ضلّوا الطريق، وأساؤوا القصد والعمل، وانحرفوا عن منهاج الحق الإلهي.
عاقبة الكذب على الله تعالى
ليس هناك أسوأ عاقبة ولا أشدّ افتراء من الكذب على الله تعالى، بأن يتقوّل المرء على الله ما لم يقله، أو يكذّب ما قاله الله، وكأن المكذّب لا يحس في أعماق نفسه بوجود الله وعظمته، بسبب غيابه الحسي عنه، ويفتقر في ذاته إلى رصيد كبير من الإيمان يعوضه فراغ القلب، وإقفار النفس، وليته أدرك مصيره المشؤوم ومستقبله المظلم، وهذا ما نبّه إليه القرآن الكريم في قوله تعالى:
[سورة الأعراف (7) : الآيات 37 الى 39]
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (37) قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ (38) وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39)
«1» «2» [الأعراف: 7/ 37- 39] .
قوله تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ هذا وعيد واستفهام على جهة التقرير، أي لا أحد أظلم ممن اختلق على الله الكذب، بأن أوجب ما لم يوجبه، أو حرّم ما لم يحرّمه، أو نسب إلى دينه حكما لم ينزله، أو نسب إلى الله ولدا أو شريكا، أو كذّب بآيات الله المنزلة، فأنكر القرآن مثل كفار العرب والعجم، أو لم يؤمن بالنّبي محمد صلى الله عليه وسلم، أو استهزأ بالآيات أو تركها مفضلا عليها غيرها.
أولئك الكفرة جميعا ينالهم نصيبهم من الكتاب المقدّر، وهو الشقاء والسعادة التي كتبت له أو عليه، بحسب علم الله وعمل هذا المخلوق، حتى إذا جاءتهم الرّسل وهم ملائكة الموت يتوفونهم ويقبضون أرواحهم، سألتهم الرّسل تأنيبا وتوبيخا: أين الشركاء الذين كنتم تدعونهم وتعبدونهم في الدنيا من دون الله؟! ادعوهم يخلّصونكم مما أنتم فيه، فأجابوهم: لقد غابوا عنا وذهبوا، فلا ندري مكانهم، ولا نرجو منهم النفع والخير، ولا دفع الضّر. وأقروا واعترفوا على أنفسهم بأنهم كانوا بدعائهم وعبادتهم إياهم كافرين. وهذا الحوار عند قبض الأرواح زجر للكفار عن كفرهم، ودفع لهم إلى النظر والتأمل في عواقب أمورهم.
ثم أخبر الله تعالى عن جواب الملائكة لهؤلاء المشركين المفترين الكذب على الله والمكذبين بآياته: ادخلوا النار مع أمم أمثالكم وعلى صفاتكم، من فئة الجنّ والإنس.
(1) تتابعوا فيها.
(2)
مضاعفا.