الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة آل عمران
صفات الله وإنزال الكتب الإلهية
افتتح الله تعالى أول سورة آل عمران المدنية النزول ببيان صفاته العليا، وقدرته الخارقة، وعلمه الدقيق الشامل، وخلقه بني آدم ورعايته لهم، وإنزاله الكتب الإلهية لترشد الناس إلى طريق الحق والخير، وتهديهم إلى الصراط المستقيم، فقال سبحانه:
[سورة آل عمران (3) : الآيات 1 الى 6]
بسم الله الرحمن الرحيم
الم (1) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (4)
إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلَاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6)
«1»
«2»
«3»
[آل عمران: 3/ 1- 6] .
الله الإله بحق، لا معبود بحق في الوجود إلا هو، فليس في الوجود صاحب سلطة قادرة على قهر النفوس وإخضاعها لهيمنته، وبيدها الخير ومنع الضر إلا الله وحده دون سواه، هو الحي الدائم الحياة التي لا أول لها، فلو تعرض لموت ولو ساعة، أو لقهر من غيره، لم يكن إلها، وهو القيوم أي القائم على خلقه بالتدبير والتصريف، فبقدرته قامت السماوات والأرض، ودوامها مقصور على إرادته ومشيئته وقدرته.
(1) دائم الحياة، والدائم القيام بتدبير خلقه.
(2)
أي ما يفرق بين الحق والباطل كالدلائل والبراهين.
(3)
قوي غالب لا يغلب.
والله الإله بحق هو الذي أنزل القرآن على قلب النبي صلى الله عليه وسلم إنزالا مقرونا بالحق، أي باستحقاق أن ينزّل، لما فيه من المصلحة الشاملة، ومشتملا على الحقائق الثابتة من خبر وأمر ونهي ومواعظ، وهذا القرآن مصدّق لما تقدمه من الكتب المنزلة على الأنبياء قبله، ومؤكد ما أخبرت به وبشرت، والله هو الذي أنزل التوراة على عبده ونبيه موسى، والإنجيل على عبده ونبيه عيسى، فليس المنزّل للكتب على الأنبياء بشرا عاديا من الناس. وتتضمن هذه الكتب الإلهية هداية الناس وإرشادهم إلى الطريق السوي، وإلى الوحي الحكيم وتشريع الشرائع، وأنزل الله في هذه الكتب الفرقان الذي يفرق بين الحق والباطل بالدلائل والبراهين، ووهب الله العقل والفهم للناس ليدركوا ما هو حق ثابت، ويقاوموا ما هو شر زائل.
فكيف يكون إلها من ليس متصفا بهذه الصفات، وإن الذين كفروا بآيات الله الواضحة التي تدل على كمال وصفه وسمو نعته بكل صفات الجمال والجلال والألوهية والربوبية، لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب في الآخرة، وبما كانوا يظلمون، والله قوي لا يغلب، منتقم جبار ممن يشرك به شريكا آخر، وهو الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.
ومن مظاهر قدرة الله التي لا تتوافر إطلاقا لغيره: أنه هو الذي يصوّر ويكوّن البشر في الأرحام كيف يشاء من ذكورة وأنوثة، وخصائص وطباع وطول وقصر، وألوان من سواد وبياض ونحو ذلك، وكل ذلك دليل قاطع على أن هذا الخالق المبدع هو الله الذي لا إله إلا هو العزيز (الغالب) الحكيم (ذو الحكمة أو المحكم في مخلوقاته) .
أفيعقل بعد هذا أن يدعي أحد أنه هو الله، أو يوصف من أحد أنه هو الله، إن ذلك هو الافتراء المبين، والضلال الواضح، والإفك والكذب القاطع.