الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بنفع مادّي، وهي مجردة من أجل الفضيلة ذاتها، ولتحقيق السعادة الأبدية للناس قاطبة. أما المربّون البشر فهم متأثّرون بالجانب النفعي، ولا تجد لديهم الحرص الشديد على تحقيق الثمرات والنتائج، وإنما منهجهم الغالب:(قل كلمتك وامش) .
قال الله سبحانه مهدّدا كفار قريش بعذاب الاستئصال ومنذرهم بعذاب الآخرة:
[سورة الأنعام (6) : الآيات 133 الى 135]
وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (133) إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134) قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135)
«1» [الأنعام: 6/ 133- 135] .
أخبر الله تعالى عن نفسه بأنه الْغَنِيُّ فهو غير محتاج إلى طاعة المطيعين، ولا يتضرّر بمعصية المذنبين، فإنه تعالى غني لذاته عن جميع العالمين، لا تنفعه طاعة ولا تضرّه معصية، ولا يفتقر إلى شيء من جهة من الجهات، وهو سبحانه مع غناه ذو رحمة عامّة كاملة، وقادر على وضع الرحمة في هذا الخلق أو في خلق جديد بديل عنهم، ولكنه فوّض الأمر إلى خلقه على سبيل التهديد.
ومعنى الآيات: وربّك أيها النّبي هو الغني عن جميع خلقه وعن عبادتهم من جميع الوجوه، وهم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، وهو مع ذلك ذو الرحمة الشاملة بهم، كما قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ [الحجّ: 22/ 65] . وقال في بيان غناه: يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)[فاطر: 35/ 15] .
إن يشأ الله يذهبكم ويستأصلكم أيها الكفار المعاندون في مكة وغيرها بعذاب الاستئصال الشامل، كما أهلك من عاند الرّسل كعاد وثمود، ويأت بخلق جديد
(1) أقصى ما يمكنكم.
غيركم أفضل منكم وأطوع، كما قدر على إنشائكم من ذرّية قوم آخرين، فهو سبحانه قادر على الإهلاك والإنشاء معا، وقد حقق ذلك، فأهلك زعماء الشّرك المعاندين، واستخلف من بعدهم قوما آخرين، وهم المهاجرون والأنصار الذين كانوا مظهر رحمة الله للبشر في سلمهم وحربهم.
وبعد توجيه هذا الإنذار بالإهلاك في الدنيا، أتبعه الله إنذارا آخر في الآخرة بقوله سبحانه: إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ أي أخبرهم أيها النّبي أن الذي توعدون به من الجزاء الأخروي كائن لا محالة، ولستم بمعجزين الله بهرب ولا امتناع مما يريد، فهو القادر على إعادتكم، وإن صرتم ترابا رفاتا وعظاما بالية، وهو القاهر فوق عباده.
ثم أردف الله تعالى الإنذارين السابقين بتهديد آخر شديد، وهو أخبرهم أيها النّبي بقولك: استمرّوا على طريقتكم وحالتكم التي أنتم عليها، إن كنتم تظنّون أنكم على هدى، فأنا مستمر على طريقتي ومنهجي، كما جاء في آية أخرى: وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122)[هود: 11/ 121- 122] .
إنكم سوف تعلمون أيّنا تكون له العاقبة المحمودة، أنحن أم أنتم؟ وعاقبة الدار:
العاقبة الحسنى التي خلق الله تعالى هذه الدار لها. إنه لا يفلح الظالمون، أي لا يسعد ولا ينجح الظالمون أنفسهم بالكفر بنعم الله تعالى واتّخاذ الشّركاء له في ألوهيّته، كما ورد في آية أخرى: فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ، وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ [إبراهيم: 14/ 13- 14] .
وقوله تعالى: اعْمَلُوا معناه: إنكم سترون عاقبة عملكم الفاسد، وهذا وعيد وتهديد، وقوله: عَلى مَكانَتِكُمْ معناه: على حالكم وطريقتكم. ثم جزم الله الحكم بأنه لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ أي لا ينجح سعيهم، ولا يظفرون بشيء مفيد.