الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والله سبحانه أكمل لنا الدين، وهو الإسلام، بإحلال الحلال وتحريم الحرام وبيان الشرائع والأحكام، ورضي الله بالإسلام دينا للبشرية، وأتم علينا النّعمة بالنّصر على المشركين، وقد نزلت هذه البشارات الثلاث يوم عرفة.
ومن اضطرّ إلى تناول شيء من المحرّمات المذكورة، فله أن يأكل منها إذا لم يوجد غيرها، وتعرّض لخطر الموت أو الهلاك جوعا بسبب المخمصة أي المجاعة، ولم يتجاوز قدر الضرورة، والله غفور له، رحيم بخلقه.
المطعومات الحلال وإباحة الزواج بالكتابيات
جعل الله الإسلام دينا سمحا سهلا غير معقّد ولا صعب، فأحلّ لنا كثيرا من الأشياء، ولم يحرّم علينا إلا القليل، فالأصل في الأشياء الإباحة، أحلّ الله الطّيبات النافعة غير المحرّمات العشر المتقدمة وغير المستخبثات، وأباح لنا ما تقتضيه الضرورة أو الحاجة في الاصطياد بالكلاب المعلّمة والطيور الجارحة المروّضة، وأقام جسورا من التلاقي وهمزة الوصل بين المسلمين وأهل الكتاب (اليهود والنّصارى) فأجاز لكل فريق تناول طعام الفريق الآخر، وأباح الزواج بالنّساء المؤمنات، والكتابيات الحرائر العفيفات بشرط دفع المهر.
قال الله تعالى:
[سورة المائدة (5) : الآيات 4 الى 5]
يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (4) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (5)
«1» «2» «3»
(1) التي تجرح بأنيابها من السّباع، وبمخالبها من الطيور.
(2)
المكلب: معلّم الكلاب الصيد ومضريها، ويقال أيضا لمن يعلّم غير كلب.
(3)
هذا إشارة إلى الزمن والأوان، وهو إباحة ما تستطيبه النفس.
«1» «2» «3» «4» «5» «6» [المائدة: 5/ 4- 5] .
نزلت الآية الأولى: يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ حينما سأل عاصم بن عدي، وسعد بن خيثمة، وعويم بن ساعدة، فقالوا: يا رسول الله، ماذا يحلّ لنا من هذه الكلاب؟ بعد أن أمر النّبي صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، وكان أبو رافع هو المتولّي لقتلها.
وسأل عدي بن حاتم وزيد بن مهلهل الطائيان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالا: يا رسول الله، قد حرّم الله الميتة، فماذا يحلّ لنا؟ فنزلت الآية. وسأل رجل عن صيد الكلاب، فنزلت هذه الآية: تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ.
والمعنى: يسألك المؤمنون أيها الرسول عما أحلّ لهم من المطاعم واللحوم، قل لهم: أحلّ لكم ما تستطيبه النفوس السليمة الفطرة، وهي غير الخبائث، قال الإمام الشافعي: الطيّبات: الحلال المستلذّ، وكل مستقذر كالوزغ والخنافس وغيرها فهي من الخبائث حرام.
وأحلّ لكم صيد الجوارح المعلّمة، كالكلاب والفهود، والبزاة والصقور والعقبان والنّسور ونحوها من الطيور، فكل ما صاد بعد تعليم فهو جارح، أي كاسب.
تعلّمونهن من الحيلة في الاصطياد والتّأني لتحصيل الحيوان، وهذا جزء مما علّمه الله الإنسان. ويجوز الأكل من الصيد الذي أمسكه الكلب ونحوه،
قال عدي بن حاتم: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد البازي فقال في الحديث المتفق عليه بين أحمد والشيخين: «إذا أمسك عليك فكل» .
وذلك بشرط أن تكون الكلاب الجوارح
(1) العفائف الحرائر.
(2)
مهورهن.
(3)
متعفّفين بالزواج غير مجاهرين بالزّنا. [.....]
(4)
أي صديقات أو خليلات للزّنا سرّا.
(5)
ينكر شرائع الإسلام.
(6)
بطل ثواب عمله.
والطيور معلّمة، ومرسلة من الصائد لا من نفسها، حتى يكون قتل الجارح للصيد ذكاة شرعية، بأن ترسل الكلب أو الطير فيرسل، وتزجره فينزجر، وأن يذكر الصياد اسم الله فيقول:(باسم الله، الله أكبر) وذلك شرط عند الجمهور غير الشافعية، وبشرط ألا يأكل الكلب المعلم شيئا من الصيد في رأي الجمهور غير المالكية.
ثم أمر الله تعالى بالتقوى في الجملة وهي التزام الأوامر، وذكّر سبحانه بسرعة الحساب لأنه تعالى قد أحاط بكل شيء علما، فلا يحتاج إلى محاولة عدّ، ويحاسب جميع الخلائق دفعة واحدة.
أحلّ الله من لحظة نزول هذه الآية الطيبات المستطابات، وأحلّ للمسلمين أكل ذبائح أهل الكتاب، وللكتابيين ذبائح المسلمين، ولا تحل ذبائح المشركين عبدة الأصنام والأوثان، ولا ذبائح المجوس ونحوهم ممن لا يدين بدين سماوي، ولا التزوج بنسائهم.
وأباح الله لكم أيها المؤمنون التزوج بالحرائر المؤمنات، والكتابيات العفيفات من اليهود والنصارى، إذا آتيتموهن أجورهن، أي مهورهن، ويطلق لفظ الأجر في اللغة والشرع على المهر، فيشترط إيتاء مهورهن، وأن يقصد الإحصان والإعفاف، لا سفح الماء عن طريق الزنى العلني، ولا عن طريق الزنى السّري وهو اتّخاذ الأخدان. وقوله: مُحْصِنِينَ أي متزوّجين على السّنة بعقد زواج صحيح.
ثم حذّر الله من المخالفات، ورغّب فيما تقدم من أحكام الحلال، فذكر أن من يكفر وينكر شرائع الإسلام وتكاليفه، ويجحد أصول الإيمان وفروعه، فقد أبطل ثواب عمله، وخاب في الدنيا، وخسر في الآخرة، أما في الدنيا فتضيع أعماله ولا يستفيد منها، وأما في الآخرة فخسارته بالهلاك في نار جهنم. وقوله: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ معناه من يكفر بالأمور التي حقّها أن يقع الإيمان بها.