الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عهد الله على بني آدم
اقتضى العدل الإلهي والعناية الربانية ببني البشر أن يخلقهم جميعا من غير استثناء على الفطرة السليمة المقرة بأن الله هو ربهم وأنه لا إله إلا هو وحده لا شريك له، ربا واحدا، وإلها خالقا، فإذا شذ الإنسان بعدئذ، فكفر بالله أو أشرك به إلها آخرا، فهو ظلم واضح، وانحراف بيّن، وقد عبر الله تعالى عن هذه الفطرة التي خلق عليها الناس قاطبة بإبرام عهد قاطع بين الله الخالق والبشر المخلوقين، وذلك في قوله تعالى:
[سورة الأعراف (7) : الآيات 172 الى 174]
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174)
[الأعراف: 7/ 172- 174] .
والمعنى: اذكر أيها الرسول محمد للناس جميعا ما أخذه الله تعالى على البشر كافة من ميثاق في بدء الخلق، يتضمن الاعتراف على أنفسهم أن الله ربهم ومالكهم وأنه لا إله إلا الله، وذلك حين خلق آدم وأخذ من ظهور ذريته ذريتهم في عالم الذرة، وأحياهم، وجعل لهم عقلا وإدراكا كنملة سليمان عليه السلام، وأخذ عليهم العهد أو الميثاق بأنه ربهم وأنه لا إله غيره، فأقروا بذلك والتزموه، وأعلمهم أنه سيبعث الرسل إليهم مذكرة وداعية، وشهد بعضهم على بعض، قائلا لهم قول إرادة وتكوين، لا قول وحي وتبليغ: ألست بربكم؟ فقالوا بلسان الحال، لا بلسان المقال: بلى أنت ربنا المستحق وحدك للعبادة، لا إله غيرك. وإشهاد الناس بعضهم على بعض في ذلك العالم عالم الذر سببه: ألا يعتذروا يوم القيامة إذا أشركوا قائلين:
إنا كنا عن التوحيد غافلين، أي لم ينبهنا إليه أحد، فلا عذر لكم بعد إقامة الأدلة على وحدانية الله، ووجود العقل، وتكوين الفطرة.
وخلق الناس على فطرة الإقرار بوجود الله وتوحيده مقرر في آية أخرى هي قوله تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ [الروم: 30/ 30] . وأيدت السّنة مدلول هذه الآية،
جاء في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تلد البهيمة بهيمة جمعاء- أي التي لم يذهب من بدنها شيء- هل تحسون فيها من جدعاء»
أي مقطوعة الأنف أو الأذن أو اليد أو الشفة ونحو ذلك،
وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله: إني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم» .
وكان خلق بني آدم على فطرة التوحيد لهدفين: الأول- إبطال ادعائهم الشرك وتمسكهم به، والهدف الثاني- إبطال تمسكهم بتقليد الآباء والأجداد في الشرك، قائلين: إن آباءنا أشركوا من قبلنا، ونحن خلف لهم، نجهل بطلان الشرك، وقد قلدناهم في أعمالهم واعتقادهم مع حسن الظن بهم، ولم نهتد إلى التوحيد. أفتهلكنا بالعذاب، وتؤاخذنا بما فعله المبطلون من آبائنا؟! ولكن الله لا يقبل عذرهم أبدا لأن التقليد في الاعتقاد وأصول الدين لا يجوز أبدا بحال من الأحوال، بل لا بد لكل إنسان أن يعتمد في إثبات عقيدته على قناعته الذاتية والبراهين الدالة على صحة عقيدة التوحيد.
ومثل ذلك التفصيل البليغ الواضح للميثاق، نفصل للناس الآيات البينات، ليتدبروها بعقل وبصيرة، ولعلهم يرجعون بها عن شركهم وجهلهم وتقليدهم الآباء والأجداد.
وبعبارة أخرى: معنى الآيات أن الكفرة لو لم يؤخذ عليهم عهد، ولا جاءهم رسول مذكر بما تضمنه العهد من توحيد الله وعبادته، لكانت لهم حجتان: