الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حق وعدل، لذا ختمت أواخر الآيات بعبارة: بِما كانُوا يَفْسُقُونَ وعبارة لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ. والفسق: الخروج عن حدود الله، والتذكير بالتقوى والامتثال دليل على المخالفة والعصيان.
ألوان التهديد والعقاب لقوم موسى
التهديد الإلهي لقوم في الدنيا، أو إنزال العقاب المؤقت عليهم قد يكون سببا للصلاح وتقويم الاعوجاج، وزجر العباد عن التمادي في الانحراف، وإعادتهم للحياة السوية، وفي هذا خير للإنسان وتربية له وتهذيب، وهذا الاتجاه التربوي فعله الله تعالى مع قوم موسى مرارا وتكرارا، قال الله تعالى:
[سورة الأعراف (7) : الآيات 167 الى 171]
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَاّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (169) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171)
«1» «2» «3» «4» «5» «6» «7» «8» [الأعراف: 7/ 167- 171] .
هذه الآيات إخبار لرسول الله صلى الله عليه وسلم بما أوجبه الله على بني إسرائيل من ألوان
(1) أعلم.
(2)
يذيقهم.
(3)
اختبرناهم.
(4)
بدل سوء، والخلف بسكون اللام يستعمل في الأشهر في الذم، والخلف بفتح اللام يستعمل في الأشهر في المدح.
(5)
ما يعرض لهم من الدنيا.
(6)
قرءوا.
(7)
رفعناه.
(8)
غمامة. [.....]
العذاب المعنوي والمادي قبل مجيء الإسلام. والمعنى: اذكر يا محمد ما قضى الله على الإسرائيليين بسبب مخالفاتهم من تسليط قوم عليهم يذيقونهم سوء العذاب الشديد وهو الإذلال وفرض الإتاوة إلى يوم القيامة، إن ربك لسريع العقاب لمن عصاه وخالف شرعه، وإنه لغفور لمن تاب إليه وأناب، ورحيم بأهل الطاعة والإنابة. وهذا تنبيه على سرعة عقاب الله، والتخويف بذلك تخويفا عاما لجميع الناس. هذا هو العقاب الأول، وقد تحقق في الماضي وعلى مراحل التاريخ، ويكفيهم الآن خضوعهم لإمريكا في الواقع، وإن أظهروا أحيانا الاعتماد على الذات.
والعقاب الثاني: هو تفريقهم وتمزيقهم جماعات وطوائف وفرقا في أنحاء الأرض، وتبعتهم لدول مختلفة، ومنهم الصالحون المحسنون الذين يؤمنون برسالات الأنبياء بعد موسى عليه السلام، ومنهم من هو دون غيره في الصلاح، ومنهم الفسقة الفجرة الكفرة الذين قتلوا الأنبياء بغير حق، ومنهم السماعون للكذب وأكلة الربا وأموال الناس بالباطل، والله يختبرهم جميعا بالحسنات أي بالنعم كالصحة والرخاء، أو بالسيئات، أي بالنقم كالمرض والفقر وغيرهما من المحن والمصائب. لعلهم يرجعون إلى الطاعة أو الاستقامة، ويتوبون من المعصية ومخالفة أوامر الله.
ثم ظهرت بعد الصالحين والطالحين أجيال وأخلاف ورثوا التوراة عن أسلافهم، وتلقفوا ما فيها من الأحكام والشرائع، لكنهم تاجروا بها، فأخذوا الرشاوى والمكاسب الخبيثة، وهذا معنى قوله تعالى: يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى أي يأخذون عروض عيش الدنيا الدنية، ولكنهم قوم مغترون بأنفسهم، يقولون أو يزعمون أن الله سيغفر لهم ذنوبهم، ولا يؤاخذهم على أفعالهم السيئة، قائلين: إننا أبناء الله وأحباؤه وسلائل الأنبياء، وهم مقيمون على المعاصي، غير متورعين عن الحرام، وإن يأتهم عرض آخر من عروض الدنيا مثل الذي أخذوه أولا بالباطل، يأخذوه
بلهف دون تعفف، وهم يعلمون أن وعد الله بالمغفرة مختص بالتائبين المقلعين عن الذنوب والمعاصي.
رد الله تعالى مزاعمهم هذه وأنكر عليهم صنيعهم، فإنه قد أخذ عليهم العهد والميثاق ألا يقولوا على الله إلا الحق وهو أن مغفرة الذنوب في التوراة مشروطة بالتوبة النصوح، ومن بنود الميثاق: تبيان الحق للناس وعدم كتمانه، والبعد عن تحريف الكلم وتغيير الشرائع لأجل الرشوة. وهم قد درسوا كتاب التوراة، وفهموا ما فيه، من تحريم أكل مال الآخرين بالباطل والكذب على الله.
ثم رغّبهم الله في جزيل ثوابه، وحذرهم من وبيل عقابه، وأمرهم بالاستعداد للآخرة، فإن الدار الآخرة وما فيها من نعيم خالد خير للذين يتقون المعاصي والمحارم، ويتركون الأهواء، ويقبلون على الطاعات، أفلا تعقلون هذه الترغيبات، وتدركون فحوى الإنذارات. وفي الجملة: إن الدار الآخرة خير من عرض الدنيا الفاني. ثم أثنى الله تعالى على من تمسك بكتابه الذي يوجهه للإيمان بجميع الأنبياء ومنهم خاتم الأنبياء والرسل محمد صلوات الله وسلامه عليهم، فالذين يتمسكون بأوامر الكتاب الإلهي ويعتصمون به، وأقاموا الصلاة- وخصها بالذكر لأهميتها- إنا لا نضيع أجر المصلحين أعمالهم.
ثم ذكّر الله تعالى بحادثة رفع جبل الطور فوق بني إسرائيل، حتى صار كأنه سقيفة قائمة في الهواء، لما أبوا قبول التوراة، وأيقنوا أنه ساقط عليهم، وفي ذلك الجو الرهيب قال الله لهم: خذوا ما أعطيناكم من أحكام الشريعة بجد واجتهاد، وحزم وعزم على احتمال المشاق والتكاليف، وتذكروا ما في التوراة من الأوامر والنواهي، ولا تنسوها، لعلكم تتقون ربكم، ورجاء أن تتحقق التقوى في قلوبكم، فتصبح أعمالكم متفقة مع دين الله وشرعه.
هذه التهديدات والإنذارات ينتفع بها كل قوم أرادوا الخير لأنفسهم ولأمتهم.