الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان عذاب مشركي قريش مقصورا على القتل والسبي وسلب النعمة، وأما عذاب من قبلهم، فكان عذاب استئصال كإغراق آل فرعون، وتدمير قوم عاد بالريح العاتية، وإهلاك قوم ثمود بالصيحة الشديدة وهي الطاغية.
حال الذين ينقضون المعاهدات
إن الكلمة التي يلتزم بها الإنسان عهد وميثاق، وشرف وكرامة، وإنسانية سامية وحضارة عريقة وثقة بالذات، فإذا ما نقض الإنسان عهده وخان التزامه ولم يوف ببنود العهد والميثاق كان هابطا عن المستوى الإنساني، بل إن الدواب الذميمة تكون أفضل منه، وقد حكى القرآن الكريم حال بعض الناقضين عهودهم، والكافرين الذين تحتم عليهم بأنهم لا يؤمنون، فقال الله سبحانه:
[سورة الأنفال (8) : الآيات 55 الى 59]
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (58) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (59)
«1» «2» «3» «4» «5» [الأنفال: 8/ 55- 59] .
نزلت الآية في بني قريظة، قال ابن عباس: إنهم بنو قريظة نقضوا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعانوا عليه بالسلاح في بدر، ثم قالوا: نسينا وأخطأنا، فعاهدهم الثانية، فنقضوا العهد ومالؤوا الكفار على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق، وركب زعيمهم كعب ابن الأشرف إلى مكة، فحالفهم على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم.
(1) تصادفنهم وتظفر بهم.
(2)
ففرّق وبدّد.
(3)
فاطرح إليهم عهدهم. [.....]
(4)
على استواء في العلم بنبذه.
(5)
نجوا من العذاب.
ومعنى الآيات: إن شر ما دبّ على وجه الأرض في حكم الله وعدله هم الذين كفروا ونقضوا العهد، فهم شر خلق الله لا تصافهم بصفتين: الإصرار على الكفر الدائم والعناد، ونقض العهد الذي عاهدوه وأكدوه بالأيمان. ولهم صفة ثالثة هي أنهم لا يتقون الله ولا يخافون منه في شيء ارتكبوه من الآثام، ولا يتقونه في غدرهم ونقض العهد.
إنهم كما وصفتهم الآية الكريمة شر من الدواب، لعدم وجود نفع منهم، فهم لا يؤمنون بالله إيمانا صحيحا، وتكرر منهم نقض العهد في كل مرة يعاهدون النبي صلى الله عليه وسلم، وهو لا يتقون الله ربهم ولا يخافون حسابه، ويخرجون عن أحكام الله. هذا حالهم عند الله، وأما من نقض العهد منهم، فإن أمكنتك الفرصة منهم، وصادفتهم أو ظفرت بهم في الحرب، فاضربهم ضربة قاصمة تفرق بها جمع كل ناقض للعهد حتى يخافك من وراءهم من أهل مكة وغيرهم، افعل ذلك بهم لعل من خلفهم يتعظون ويرتدعون بهم.
ثم أبان الله حكم من ظهرت منهم بوادر الخيانة ونقض العهد بأمارة من الأمارات، فقال تعالى: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ أي إن ظهرت أمارات الخيانة ونقض العهد من قوم، فألغ عهدهم، وأعلمهم بأنك قد نقضت عهدهم، وذلك حتى تستوي أنت وهم في العلم بنقض العهد حتى لا يتهموك بالغدر والخيانة. والنبذ: الرمي والرفض. والسواء: المساواة والاعتدال. وحينئذ فإن التزموا السلم لم يتعرض لهم، وإلا حوربوا. وبنو قريظة نقضوا العهد مرتين.
إن هذا الإخبار المكشوف بنقض العهد دليل على ثقة المسلمين بأنفسهم، وأنهم يترفعون عن الخيانة والغدر، وأن الغدر حطة ومذلة، والله لا يحب الخائنين، أي يجازيهم على الخيانة.