الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الله تعالى منذرا ومبيّنا:
[سورة النساء (4) : الآيات 167 الى 170]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً (167) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (168) إِلَاّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (169) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (170)
[النساء: 4/ 167- 170] .
أخبر الله تعالى عن الكافرين الذين يصدّون عن سبيل الله: أنهم قد بعدوا عن الحق، وضلّوا ضلالا بعيدا عن الصواب، لا أمل في رجوعهم عنه، ولا تخلصهم منه، إنهم بكفرهم وجحودهم بالله ورسوله، وصدهم أنفسهم وغيرهم عن ساحة الإيمان، ومقاومتهم لسبيل الدعوة الصحيحة إلى الله، إنهم بهذا أخطئوا الطريق.
وهم أيضا ظلموا أنفسهم باتباعهم الشيطان ووضعهم الشيء في غير موضعه، وهو الكفر بالله وجحود نعمته عليهم، سواء النعمة الظاهرة أو الباطنة.
لقد صاروا بكفرهم وصدّهم عن سبيل الله وظلمهم أنفسهم في وضع سيء، وفي شأن وحال لم يكن الله تعالى ليغفر لهم، فالله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. واستحقوا بإصرارهم على كفرهم ألا يهديهم الله ولا يوفقهم إلى خير أبدا لأنهم ملؤوا أنفسهم وقلوبهم بظلام الكفر والضلال، حتى لم يعد يتسع للنور والهداية الإلهية.
ولا يوفقهم ويدلّهم إلا على طريق جهنم الذي سلكوه، فكانوا في النار خالدين فيها أبدا على الدوام، جزاء ما قدموا من أعمال قبيحة، وما اختاروا في حياتهم من سلوك دروب الغواية والانحراف، وكان إدخالهم جهنم أمرا هينا وسهلا ويسيرا كل اليسر على الله تعالى، فلا يعجزه أحد في الأرض ولا في السماء، ولا يبالي الله بهم، كما ورد في الحديث عند البخاري: «يذهب الصالحون، الأول فالأول، ويبقى
حفالة كحفالة الشعير أو التمر، لا يباليهم الله بالة» والحفالة: النفاية والرديء من كل شيء، والبالة: المبالاة.
وبعد هذا الإنذار الشديد لأهل الضلالة وبيان جزائهم، دعا القرآن إلى الإيمان الحق، تذكيرا للناس، وهذا من أسلوب القرآن الذي يقرن بين الأشياء المتعارضة، وبضدّها تتميز الأشياء. والدعوة إلى الإيمان عامة شاملة للناس جميعا دون تمييز ولا تعصب ولا انغلاق، وإنما بانفتاح ومحبة الخير للجميع. ومضمون هذه الدعوة:
يا أيها الناس جميعا، قد جاءكم الرسول محمد بالقرآن والحق والخير والهدى والفلاح، فآمنوا برسالته، يكن الإيمان خيرا لكم لأنه يزكيكم ويطهركم من الأدناس والأرجاس، ويرشدكم لما فيه السعادة في الدنيا والآخرة، والحق الذي أتى به محمد من ربّه: هو القرآن المعجز، والدعوة إلى عبادة الله وحده، والإعراض عن غيره.
وإن تكفروا أيها الناس، فإن الله غني عنكم وعن إيمانكم، وقادر على عقابكم، ولا يتضرر بكفرانكم، فإن لله جميع ما في السماوات والأرض ملكا وخلقا وتصريفا وعبيدا، وشأن العبيد الخضوع لحكم الله، وأمره، كما قال الله تعالى: وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8)[إبراهيم: 14/ 8] .
والله تعالى معذبكم ومجازيكم على كفركم في الآخرة. فليس وراء الموت إلا الجنة أو النار، والله سبحانه عليم بشؤون خلقه، حكيم في صنعه، لا يحكم إلا بالحق والعدل، ولا يجازي إلا من ظلم وكفر، وعصى وجحد.