الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال أهل الكتاب للنبي محمد صلى الله عليه وسلم: كيف تدعي أنك على ملة إبراهيم وأنك أولى الناس به، وإبراهيم وإسحاق والأنبياء بعدهم كانوا يعظمون بيت المقدس، ويصلون إليه، فلو كنت على ما كانوا لعظّمته، ولما تحولت إلى الكعبة، فخالفت الجميع.
وقال مجاهد: تفاخر المسلمون واليهود، فقالت اليهود: بيت المقدس أفضل وأعظم من الكعبة، لأنه مهاجر «1» الأنبياء، وفي الأرض المقدسة، وقال المسلمون:
بل الكعبة أفضل، فأنزل الله تعالى هذه الآية:
[سورة آل عمران (3) : الآيات 96 الى 97]
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (96) فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (97)
«2» [آل عمران: 3/ 96- 97] .
دلت هاتان الآيتان على مكانة البيت الحرام وما تميز به من مميزات: أولها- أنه أقدم بيت وضع للعبادة، والأولية في الزمان تستلزم الأولية في الشرف والمكانة. بناه إبراهيم وإسماعيل كما قال الله تعالى: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ. [البقرة: 2/ 127] .
ثم بني المسجد الأقصى بعد ذلك بعشرات السنين، وقد جدّد بناءه بعد قرون سليمان بن داود.
سأل أبو ذر النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: «يا رسول الله، أي مسجد وضع أول؟ قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة» «3» .
الميزة الثانية- أن البيت الحرام بيت مبارك: كثير الخيرات والبركة المادية، إذ هو بصحراء جرداء، وتجبى إليه ثمرات كل شيء، وتحمل إليه بضائع الدنيا، وهو أيضا كثير البركة في الثواب والأجر.
(1) أي مواضع الهجرة.
(2)
بكة أي مكة.
(3)
أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي ذر.
والميزة الثالثة: أنه موطن هداية للناس، حيث دعي العالمون إليه فأجابوا ويتجهون إليه في أدعيتهم وصلواتهم، وتهواه أفئدتهم على أنه مصدر لهداية النفوس التي تحجه وتعتمر فيه.
والميزة الرابعة: فيه آيات واضحات لا تخفى على أحد، منها: مقام إبراهيم للصلاة والعبادة، وفيه صخرة فيها أثر قدمه الشريف. ومن دخل البيت الحرام كان آمنا على نفسه، مطمئنا على ماله، حتى ولو كان مطلوبا للثأر، وذلك معروف للعرب في الجاهلية والإسلام. أما ما وقع فيه من مخالفات أو اقتتال فذلك جناية عظيمة من العصاة والجهلاء. وفيه الحجر الأسود المعروف مبدأ الطواف حول الكعبة، وفيه ماء زمزم المبارك النافع لما شرب له.
والميزة الخامسة: أنه مكان الحج والعمرة، وحج البيت فرض على المستطيع وهو ركن من أركان الدين، والاستطاعة نوعان: بدنية صحية، ومالية، فلا يجب إلا على من تمكن من الركوب، وأمن الطريق، وقدر على السفر.
ومن جحد هذه المزايا وكفر بها ولم يمتثل أمر الله في الحج وغيره، فإن الله غني عن العالمين جميعا، لا تنفعه طاعة، ولا تضره معصية.
أخرج الترمذي والبيهقي عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ملك زادا وراحلة، فلم يحج، فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا» .
وأهم ميزة للبيت الحرام أنه سبب وحدة المسلمين في أنحاء العالم، لاتجاههم إليه في صلاتهم، وأنه موضع أمن وسلام لمن دخله. وإذا كانت قبلة المسلمين واحدة في أقدس معتقداتهم وهو الصلاة بعد الإيمان فهل يقبل منهم الصراع والتخاصم والاختلاف؟ وهل يليق بهم وهم أمة القرآن أن يتحاربوا، وينضم بعضهم لصف