الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنّة الله في تأديب القرى
تتعدّد الأساليب الإلهية في إصلاح البشر، وإصلاح أهل القرى أو المدن، وحملهم على الإيمان باختيار وطواعية دون قسر ولا إكراه، وذلك كله من أجل خير الإنسان وإسعاده. ومن هذه الأساليب: الابتلاء بالشدة والمصائب في المكاسب والأموال، وربط الرخاء والخير بالاستقامة والإيمان بالله ورسله. قال الله تعالى:
[سورة الأعراف (7) : الآيات 96 الى 100]
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَاّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (99) أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (100)
«1» «2» «3» «4» «5» [الأعراف: 7/ 96- 100] .
أبان الله تعالى في آية سابقة أن الذين عصوا وتمردوا من أهل القرى والمدن أخذهم الله بغتة أي فجأة، وأبان في هذه الآيات أنهم لو أطاعوا ربّهم لفتح الله عليهم أبواب الخير، ثم جاء الجميع الإنذار بالعذاب المبكّر ليلا أو نهارا إذا كذبوا الرّسل دعاة الإصلاح والإيمان بالله وحده لا شريك له.
هذا إخبار عن نظام الله في الكون وسنّته تعالى في الخلق في الماضي والحاضر والمستقبل، ليتّعظ الناس ويعتبروا، وذلك النظام وتلك السنّة: أنه لو آمن أهل القرى والمدن كأهل مكّة وغيرهم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، واتّقوا ما نهى الله عنه وحرّمه من الشّرك والفساد في الأرض بارتكاب الفواحش والآثام لو آمنوا وأطاعوا واتّصفوا بالتّقوى، لتبع ذلك توارد أفضال الله ورحماته، وإنعامه وإنزال
(1) ينزل بهم عذابنا.
(2)
ليلا.
(3)
عقوبته.
(4)
لم يبين.
(5)
نختم.
الخيرات الكثيرة من السماء عليهم كالمطر، وإخراج النباتات والمعادن والكنوز، وإيتاؤهم مختلف العلوم والمعارف والإلهامات الرّبانية لفهم أسرار الكون واستخراج مختلف الثروات. لو آمنوا وأطاعوا ليسّر الله لهم كل خير من كل جانب من فوقهم ومن تحتهم ومن ذواتهم وأفكارهم. وفي هذا دلالة على أن الإيمان الصحيح سبب للسعادة والرخاء. وفتح البركات: إنزالها على الناس. والبركات: الزيادة والنّماء.
ولكن أهل القرى والمدن كذبوا رسلهم ولم يؤمنوا ولم يتّقوا، فعاقبهم الله تعالى بالهلاك على ما كسبوا من المآثم والمحارم والشّرك المفسد لنظام الحياة. وفي هذا دلالة على أن العقاب نتيجة لازمة لكسب المعاصي، هذا في الأمم الخالية.
ثم تابع الله تهديده ووعيده للكفار المعاصرين لمحمد صلى الله عليه وسلم فهل يأمن هؤلاء أن ينزل بهم مثل ما نزل بأولئك؟! وهذه الاستفهامات على سبيل التعجب من حالهم وغفلتهم، والإنكار عليهم، ومضمونها: أبعد ذلك يأمن أهل القرى الكافرة في الماضي كأهل مكة وأمثالهم وفي كل زمان نزول العذاب والنّكال بهم في حال الغفلة وهو النوم ليلا. فقوله سبحانه: بَياتاً أي وقت مبيتهم بالليل.
أو أيأمن أهل القرى والمدن أن يأتيهم العذاب ضحى، وهم مشغولون باللعب واللهو في النهار، وفي هذا إشارة إلى أن انشغالهم في أعمالهم التي لا فائدة منها كأنها ألعاب أطفال.
وذلك سواء في إنزال العذاب ليلا أو نهارا: تخويف في أوقات الغفلة.
وأكّد الله تهديده وتوبيخه فقال: أفأمن أهل القرى والمدن مكر الله، أي تدبيره الخفي وإنزال بأسه ونقمته، وعقابه وجزائه من حيث لا يشعر العباد؟ إنهم إن ظنّوا ذلك فقد أخطئوا، فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.
ثم أبان الله تعالى أن الغاية من ذكر هذه الإنذارات تحقيق العبرة والعظة لجميع