الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فضل أو ميزة بكشف أحوال الناس، وتعرضهم للامتحان والاختبار، وهكذا غربلت الأحداث الجسام مواقف المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم، ومن تلك الأحداث الحاسمة غزوة تبوك التي حدثت في الصيف، ومن أجل مجابهة عدو قوي، كثير العدد، متفوق العدد والسلاح، وهذا ما سجّله القرآن الكريم، ليكون عبرة للأجيال، ودرسا بليغا للجماعات والأفراد، قال الله تعالى:
[سورة التوبة (9) : الآيات 81 الى 82]
فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (82)
«1» «2» [التوبة: 9/ 81- 82] .
ذكر المفسرون روايات في بيان سبب نزول الآية،
أخرج ابن جرير الطبري عن ابن عباس قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أن ينبعثوا معه، وذلك في الصيف، فقال رجال: يا رسول الله، الحر شديد، ولا نستطيع الخروج، فلا ننفر في الحر، فأنزل الله: قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ.
وأخرج ابن جرير أيضا عن محمد بن كعب القرظي قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد إلى تبوك، فقال رجل من بني سلمة: لا تنفروا في الحر، فأنزل الله: قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا الآية.
هذه آية تتضمن وصف حال المنافقين على جهة التوبيخ واللوم لهم، بسبب فرحهم بالقعود وكراهتهم الجهاد، وفي ضمنها وعيد.
وقد نزلت الآية أثناء السفر، بقصد الذم، والإخبار عن مصير المنافقين في الآخرة، وتلك عبرة لكل متخلف عن الجهاد.
(1) بعد خروجه أو لمخالفته.
(2)
لا تخرجوا للجهاد.
والمعنى: فرح أولئك المنافقون المتخلفون، أي المتأخرون عن الجهاد القاعدون في المدينة في بيوتهم، بعد أن تركهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند خروجه إلى غزوة تبوك. وسبب فرحهم عدم إيمانهم بأن في الجهاد خيرا، وسبب آخر هو كراهيتهم الجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، والفرح بالإقامة يدل على كراهة الذهاب، أي أنهم فرحوا لأمرين: التخلف والبقاء في المدينة، وكراهة الذهاب إلى الجهاد. ومنشأ هذين الأمرين هو الشّحّ إذ لا يؤمنون بالثواب في سبيل الله، مما جعلهم يضنون بالدنيا.
ولم يقتصر الأمر على فرحهم بأنفسهم، بل أغروا غيرهم بعدم الخروج، وقال بعضهم لبعض: لا تخرجوا للجهاد لأن غزوة تبوك في شدة الحر، وقد طابت الثمار والظلال المتفيأ بها. فرد الله عليهم بقوله: قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا أي إن نار جهنم التي أعدت للعصاة أشد حرا مما فررتم منه من الحر، فلو كانوا يعقلون ذلك ويعتبرون به، لما خالفوا وقعدوا، ولما فرحوا بل حزنوا، فأقيمت عليهم الحجة بأن قيل لهم: فإذا كنتم تجزعون من حر القيظ، فنار جهنم التي هي أشد أحرى أن تجزعوا منها لو فهمتم.
والأولى بهم أن يضحكوا ويفرحوا قليلا، ويبكوا كثيرا، وهذا إشارة إلى مدة العمر في الدنيا، وإلى تأبيد الخلود في النار، أي إن ما هم عليه من الخطر مع الله وسوء الحال بحيث ينبغي أن يكون ضحكهم قليلا، وبكاؤهم من أجل ذلك كثيرا.
وهذا خبر عن حالهم وارد بصيغة الأمر: فَلْيَضْحَكُوا يقصد به التهديد وانتظار ما سيلاقون من عذاب شديد، جزاء على ما اقترفوه أو اكتسبوه من الجرائم والنفاق.
وقوله: جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ متعلق بالمعنى المقدر، وهو: وليبكوا كثيرا إذ هم معذّبون جزاء. وقوله يَكْسِبُونَ نص في أن التكسب هو الذي يتعلق به الثواب