الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اتّباع ملّة إبراهيم عليه السلام
ربط القرآن الكريم عقيدة المسلمين بعقيدة التوحيد وهي ملّة أبينا إبراهيم الخليل عليه السلام، وألزم بضرورة الإخلاص في الاعتقاد والعمل، وحاسب كل امرئ على ما عمل بنفسه فلا يسأل عن عمل غيره، وردّ جميع الأعمال للحساب والجزاء يوم القيامة، فلم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا حاسب الله عليها، قال الله تعالى مبيّنا هذه الأصول العامة:
[سورة الأنعام (6) : الآيات 161 الى 165]
قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَاّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165)
«1» «2» «3» «4» «5» »
[الأنعام: 6/ 161- 165] .
لكل شيء بعيد الآثار كثير الجوانب منهج عملي واضح، وخطة تفصيلية تجمع الوسائل مع الغايات، وتربط الفروع بالأصول، وتجمع بين العقيدة والقول والعمل، وهذا هو منهاج القرآن المجيد.
أمر الله عز وجل نبيّه عليه الصلاة والسلام بإعلان شريعته، ونبذ ما سواها من أضاليل المشركين، ووصف الشريعة بما هي عليه من الحسن والفضل والاستقامة، لقد أمر الله تعالى نبيّه صلى الله عليه وسلم أن يخبر بما أنعم الله عليه من الهداية إلى الطريق القويم الذي لا عوج فيه ولا انحراف وهو الدين القيّم المؤدي إلى سعادة الدنيا والآخرة،
(1) مستقيما لا اعوجاج فيه.
(2)
مائلا عن الباطل إلى الدين الحق.
(3)
عبادتي.
(4)
لا تحمل نفس آثمة.
(5)
يخلف بعضكم بعضا فيها.
(6)
ليختبركم.
القائم بالحق، الثابت الأصول، القائم على التزام ملّة إبراهيم الخليل عليه السلام الذي كان مائلا عن جميع أنواع الشّرك والضلالة إلى ملّة التوحيد الخالص، ولم يكن يوما من الأيام من زمرة المشركين المنحرفين، كما قال الله سبحانه في آية أخرى:
وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ [البقرة: 2/ 130] وقال عز وجل: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً «1» قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)[النّحل: 16/ 120] . أي لم يكن أبدا من المشركين، وإنما كان مؤمنا بالله، موحدا إياه، مخلصا له عبادته.
ثم أمر الله نبيّه أن يخبر المشركين الذين يعبدون غير الله، ويذبحون لغير اسمه: بأنه مخالف لهم في ذلك كله، فإن صلاته لله، ونسكه أي الذبائح والعبادة وأداء شعائر الحج وغيرها كله لله، والمعنى: إن مقصده في صلاته وطاعته في ذبيحة وغيرها، وتصرفه مدة حياته، وحاله من الإخلاص والإيمان عند مماته، إنما هو لله عز وجل، وإرادة وجهه وطلب رضاه، فإن عاش فلله، وإن جاهد فلله، وإن صلّى وحجّ واعتمر فلله، وإن مات فلله، له الحكم وله الأمر، وبيده مقاليد أمور الخلائق والعوالم كلها.
وفي هذا إرشاد للمؤمنين وإلزام بالتّأسي به، حتى يلتزموا في جميع أعمالهم قصد وجه الله عز وجل. والله واحد لا شريك له في ذاته ولا في صفاته ولا في ربوبيته، فله العبادة وحده، والتشريع منه وحده، بذلك أمر الله ربّي، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر الله عن نفسه: وأنا أول المسلمين، أي الخاضعين المنقادين إلى امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، هذا إثبات لتوحيد الألوهية.
ثم أعقبه بتوحيد الرّبوبية، فقال تعالى: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا.. أي أغير الله أطلب ربّا سواه، مع أنه هو مالك كل شيء، خلقه ودبّره، وهو مصدر النفع ومنع الضّر، فكيف أجعل مخلوقا آخر ربّي؟!
(1) رجلا جامعا للخير كله.
وما من عمل يكسبه الإنسان إلا عليه جزاؤه دون غيره، ولا تتحمل نفس حاملة حمل نفس أخرى وثقلها، فكل إنسان مجزي بعمله: كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ [الطّور: 52/ 21] وسيجزي كل عامل بما عمل، إن خيرا فخير، وإن شرّا فشرّ، والرجوع في نهاية المصير من الذين يلقبون أنفسهم بالحنفاء إلى الله وحده دون غيره، فهو الذي يخبركم بجميع أحوال اختلاف الناس في الدين والمعاش، ومجازيكم عليه بحسب علمه وإرادته، ويعلّمكم أن العقاب على الاعوجاج تبيين لموضع الحق.
ثم فتح الله للناس ميدان العمل، مطلقا لهم الحرية والخلافة في الأرض، يخلف بعضهم بعضا فيها، بعد إهلاك جيل وإحياء جيل آخر، وهم متمايزون يرفع الله بعضهم فوق بعض درجات في الغنى والفقر، والشّرف والجاه، والعلم والجهل، والخلق والشكل، والعقل والرزق، لاختبار الناس في مواهبهم وما أعطاهم الله، وبعد هذا الإفساح في ميدان العمل، والحضّ على الاستباق إلى الخير، توعّد الله ووعد، تخويفا منه وترجية، فالله سريع العقاب إما في الدنيا وإما في الآخرة، وكل آت يحكم عليه بالقرب ويوصف به، وإن الله غفور لمن أذنب وأراد التوبة، رحيم بالعباد.