الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة الأنفال (8) : الآيات 52 الى 54]
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (52) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ (54)
»
[الأنفال: 8/ 52- 54] .
هذه الآيات تدل دلالة واضحة على عدالة الله وقوته وشدة عقابه، فإن الجزاء يكون من جنس العمل، وسنة الله ونظامه واحد في الأقوام، فكما عاقب الله آل فرعون بسبب كفرهم وذنوبهم، عاقب مشركي قريش الذين كذبوا بآيات الله وصدوا الناس عن دين الله، فإن عادة الله واحدة، فما حل بالعذاب بمشركي قريش بسبب كفرهم يشبه ما حل من عذاب بقوم فرعون والأمم المكذبة قبلهم، فجوزي المشركون بالقتل والسبي، كما جوزي من قبلهم بالإغراق أو الزلزال والخسف أو الصيحة أو الريح الصرصر العاتية، من قوم فرعون وآل عاد وثمود وقوم صالح ولوط والمؤتفكات.
إن هؤلاء الذين أهلكهم الله كفروا بآيات الله، وكذبوا برسل الله، فأخذهم الله بذنوبهم أخذ عزيز مقتدر، لأن الله قوي لا يغلبه غالب، ولا يفوته هارب، قوي عذابه، شديد عقابه لمن يستحق ذلك بظلمه.
روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته» .
ثم أخبر الله تعالى عن تمام عدله وقسطه في حكمه بأنه تعالى لا يغير نعمة أنعمها على أحد إلا بسبب ذنب ارتكبه، فذكر سبحانه: أن ذلك العذاب الناجم عن سوء
(1) أي كعادة، والمعنى كسنن آل فرعون أو كعادة الله فيهم.
العمل في الأقوام الغابرة، وإهلاك قريش بسبب كفرها بأنعم الله عليها، لأن سنة الله وحكمته اقتضت ألا يغير نعمته على قوم، حتى يغيروا ما بهم من الحال، فيكفروا النعمة، ويبطروا بها، فاستحقوا تبديل الأوضاع، كتبديل أهل مكة إطعامهم من جوع، وأمنهم من خوف، إن الله سميع لأقوال المخلوقات قاطبة، ولا سيما مكذبو الرسل، عليم بمن يستحق العقاب وبما يفعلون، فجميع الناس تحت رقابة الله وتصرفه.
وفي هذا تبيان واضح أن استحقاق النعم منوط بصلاح العقائد وحسن الأعمال والأخلاق، وأن زوال النعم يكون بسبب الكفر والفساد وسوء الأخلاق، إلا أن يكون الإنعام أحيانا استدراجا لأهل المعصية حتى يقعوا في بؤرة لا نجاة لهم منها، كما قال تعالى في آية أخرى: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ [القلم: 68/ 44] .
ثم أكد الله تعالى قانونه العام وسنته المطردة في إهلاك العصاة، وأن سبب العذاب المذكور أولا هو الكفر بآيات الله، أي إنكار الدلائل الإلهية الدالة على وحدانية الله، والسبب الثاني المذكور في الآية التالية هو التكذيب بآيات ربهم، أي إنكار وجوه التربية والإحسان والنعمة، مع كثرتها وتواليها عليهم، فقوله سبحانه:
بِآياتِ رَبِّهِمْ زيادة دلالة على كفران النعم وجحود الحق.
لقد أهلك الله تعالى الأمم السابقة العاصية بذنوبهم، وأغرق آل فرعون بكفرهم وضلالهم، وكان كل من مشركي قريش وآل فرعون ظالمي أنفسهم بالكفر والمعصية، وظالمي سائر الناس بسبب الإيذاء، وأن الله أهلكهم بسبب ظلمهم وذنوبهم، وسلبهم تلك النعم التي أسداها إليهم، وما ظلمهم الله، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون، أي كانوا هم الظالمين الذين عرّضوا أنفسهم لعذاب الله تعالى، ولا يظلم ربك أحدا.