الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المؤمنين، وبواطنهم مع الكافرين، ويميلون مع الطرف الأقوى، فإن رأوا الكفار أقوياء مالوا إليهم وتعاطفوا معهم، وتواطؤوا معهم ضدّ المؤمنين، وإن رأوا المؤمنين أقوياء، تظاهروا بالانضمام إليهم، للمنفعة المادية، والمساهمة في الغنائم الحربية، والاستفادة من مظاهر الدنيا وزخارفها.
ومثل هؤلاء، هل ينتظرون هداية وتوفيقا من الله تعالى؟ إنهم بانحراف سلوكهم، وانغماسهم في مستنقع الضلالة، لن يتعرضوا لفضل الله ورحمته، وكانوا أجدر بالضلال، والخذلان والبعد عن توفيق الله، ومن يصرفه الله عن الهداية، بسبب أعماله وشذوذه وانحرافه، فلن تجد له طريقا إلى الخير والسّداد والرشاد.
إن هذه الآيات تحذير للمؤمنين من الاتّصاف بأخلاق المنافقين، وجاءت الوصايا النّبوية تؤيّد هذا التحذير،
قال ابن مسعود- فيما رواه الطبراني في الكبير-: «لا يكونن أحدكم إمّعة، تقول: إنما أنا مع الناس، إن اهتدوا اهتديت، وإن ضلّوا ضللت، ألا ليوطنن أحدكم نفسه، ألا إن كفر الناس أن لا يكفر» .
التّحذير من موالاة المنافقين
الإيمان عصمة ومنعة وقوة، والمؤمنون أجدر الناس بأن يتحصنوا بحصن الاعتزاز بإيمانهم، والاعتماد على ربّهم، والبعد عن ذوبان الشخصية، والاختلاط بالمنافقين والانهزاميين لأن في ذلك تضييعا لوجودهم واهتزازا لكيانهم، وصهرا لقيمهم وعقائدهم وأخلاقهم.
وجاءت التحذيرات القرآنية الكثيرة من موالاة المنافقين والكافرين ومناصرتهم من أجل الحفاظ على كرامة المؤمنين وتوفير العزّة والقوة لهم، قال الله تعالى:
[سورة النساء (4) : الآيات 144 الى 147]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً (144) إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) إِلَاّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (146) ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً (147)
«1» «2» «3» .
[النساء: 4/ 144- 147] .
لقد حذّر الله المؤمنين في هذه الآيات من أن يفعلوا فعل المنافقين، وأن يوالوا الكافرين والمعادين، أي لا تتخذوهم نصراء وأعوانا تصادقونهم وتصاحبونهم، وتصافونهم، وتسرّون إليهم بالمودة، وتفشون إليهم بأسراركم وأموركم الذاتية، تبغون من ذلك الاعتزاز بهم، ولله العزّة ولرسوله وللمؤمنين، وهذا ليس من أخلاق المؤمنين، وإنما هو من أخلاق المنافقين.
أتريدون بهذه المصانعة والمداراة والمجاملة أن تجعلوا لله على أعمالكم حجة بيّنة في استحقاق العذاب، إذا اتخذتم المنافقين أولياء وأعوانا؟! إن هذا التّملق لا يصدر إلا من منافق، والمنافقون لسوء أعمالهم، وفساد عقائدهم وأرواحهم ونيّاتهم، يكونون يوم القيامة في الدرك الأسفل من النار، والنار سبع دركات سفلية، والجنة درجات علوية بعضها أعلى من بعض، والمنافقون في الطبقة السفلى من النار. ولن تجد لهم ناصرا أبدا ينصرهم وينقذهم من العذاب أو يخففه عنهم، فهو عذاب أبدي دائم.
والمؤمنون العارفون المخلصون بعيدون عن موالاة الكافرين، وأما المنافقون فلم يهملهم القرآن، وإنما فتح أمامهم باب الأمل وطريق الإصلاح، وذلك بالتوبة من النّفاق بشروط أربعة ذكرتها الآية في قوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ أي لا بدّ من الندم على الفعل السابق، والاجتهاد في
(1) أصدقاء وأنصارا.
(2)
حجة ظاهرة في العذاب.
(3)
الطبقة السفلى. [.....]
صالح الأعمال التي تغسل أدران النفاق، والاعتصام بالله، أي الثقة به والتمسك بكتابه والاهتداء بهدي نبيّه المصطفى، صلوات الله وسلامه عليه، والشرط الرابع هو إخلاص الدين والعمل لله، بأن يدعوه الإنسان وحده، ويتجه إليه اتّجاها خالصا، لا يستمدّ العون من غيره، ولا يلجأ لأحد سواه في كشف الضّر، وجلب النفع، كما قال الله تعالى محددا شعار الإخلاص: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ.
هذه شروط قبول توبة المنافق، أما الكافر فشرط توبته فقط هو الانتهاء عن الكفر، كما قال الله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ [الأنفال: 8/ 38] . والمنافق: هو من أظهر الإيمان وأبطن الكفر، والكافر: من أعلن الكفر صراحة.
هؤلاء التائبون هم مع المؤمنين، أي أصحاب المؤمنين ورفاقهم في الدنيا والآخرة، وفي زمرتهم ولهم ثوابهم يوم القيامة.
وسوف يعطي الله المؤمنين أجرا عظيما لا يعرف قدره، فيشاركونهم فيه، كما قال الله تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (17)[السّجدة: 32/ 17] .
ثم أبان الله تعالى سبب تعذيب المنافقين والكفار: وهو كفرهم بأنعم الله، فقال سبحانه مستفهما استفهاما إنكاريّا: ماذا يريد الله بعذابكم أيها الناس؟ إنه يعذبكم لا من أجل الانتقام والثأر، ولا من أجل دفع ضرّ وجلب خير له لأن الله غني عن كل الناس، وهو الذي لا يجوز عليه شيء من ذلك، لتنزهه عن كل صفات النقص، وهو الذي لا يثأر ولا يريد الشّر لعباده، ولكنه أيضا عادل حكيم، لا يسوي بين الصالح والطالح، والمؤمن والكافر، فمن شكر نعم الله تعالى، وأدّى حقوق الله