الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأطاعوه فيما أمر، وتركوا ما عنه زجر، إذا ألمت بهم لمة من الشيطان، تذكروا ما أمر الله به ونهى عنه، وذكروا عقاب الله وجزيل ثوابه، ووعده ووعيده، فأبصروا السداد، وعرفوا الحق والخير، فإذا هم مبصرون عارفون طريق الحق والخير.
ثم أخبر الله تعالى عن مدى تأثير الشيطان على الجاهلين المفسدين: وهو أن إخوان الشياطين الذين ليسوا بمتقين يمدهم الشياطين في الضلال، ويتمكنون من إغوائهم، ولا يقصرون أبدا في حملهم على المعصية ولا يكفّون عن إفسادهم. حمانا الله من الشرور وحفظنا من إغواء الشيطان.
خصائص القرآن والأذكار
القرآن الكريم كلام الله المنزل على قلب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، لبيان الأحكام والشرائع والآداب، فهو وحي إلهي لا يجوز ولا يقبل بحال من الأحوال التعديل فيه، أو اختيار شيء منه دون باقيه، وإنما يجب التزامه والإصغاء لتلاوته والتدبر في معانيه، وتعظيمه، كتعظيم الله تعالى في ذكره وتسبيحه وتحميده كما يفعل الملائكة الكرام أمام الحق تعالى في العبادة والتقديس، قال الله تعالى مبينا هذه الخصائص:
[سورة الأعراف (7) : الآيات 203 الى 206]
وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (205) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)
«1» «2» «3» «4» «5» [الأعراف: 7/ 203- 206] .
(1) اخترعتها من عندك.
(2)
مظهرا الضراعة والذلة.
(3)
خوفا من عقابه.
(4)
أول النهار وآخره، أي كل وقت.
(5)
يصلون ويعبدون.
هذه جملة من أحكام القرآن وخصائصه، يتميز بها لأنه كلام الله عز وجل، وأول هذه الخصائص: أنه لا يجوز تعديله ولا اختلاقه واختراعه، وقد حاول المشركون وقت نزول الوحي محاولات خائبة في هذا المجال، نصت عليها الآية، وسببها: أن الوحي كان يتأخر على النبي صلى الله عليه وسلم أحيانا، فكان الكفار يقولون:(هلا اجتبيتها) .
ومضمونها: إذا لم تأت أيها الرسول أهل مكة بآية مما اقترحوا حدوثه، قالوا:
هلا اختلقتها وتقوّلتها من تلقاء نفسك، لزعمهم أن القرآن من عند محمد، أو أنه متمكن من الإتيان بالآيات الكونية والمعجزات المخصوصة. فقل لهم أيها النبي قولا حاسما فاضلا: إنما أنا متبع وحي ربي فقط، ولا قدرة لي على افتعال أو اختلاق الآيات وإيجادها، أو اقتراحها، مثلما جاء في آية أخرى: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ [يونس: 10/ 15] .
ثم أرشد القرآن الكريم أولئك الكفرة إلى خواص ثلاث أخرى، وهي أن القرآن العظيم أعظم المعجزات، فيه مبصرات للقلوب، وحجج بينات، وبراهين نيرات، على أنه من عند الله، وهو هاد للحيارى إلى طريق الاستقامة، ورحمة في الدنيا والآخرة لمن يؤمن به، فمن آمن به وعمل بأحكامه، فهو من المفلحين دون سواهم.
وطريق الاستفادة من القرآن: أنه إذا تلي على الأسماع وجب الإصغاء إليه والإنصات عند سماعه، لتفهم آياته، وليتعظ المؤمنون بمواعظه، ويتوصل إلى رحمة الله بسبب تفهمه وتدبر معانيه والعمل بما جاء فيه، سواء أكانت التلاوة في الصلاة أم في خارجها إلا بمقدار قراءة الفاتحة للمقتدي عند جماعة من العلماء.
وثواب الاستماع للقرآن كثواب التلاوة،
روى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي
الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من استمع إلى آية من كتاب الله، كتبت له حسنة مضاعفة، ومن تلاها كانت له نورا يوم القيامة» .
وتعظيم القرآن واجب كتعظيم الله في ذكره وتسبيحه، وتهليله، وتحميده، وتكبيره، وطريق الذّكر كما نصت الآية: اذكر ربك في نفسك سرا، بذكر أسمائه وصفاته، وشكره واستغفاره، اذكره بقلبك بتضرع أي بذلة وخضوع، وخوف من الله رجاء ثوابه وفضله، وأن يكون الذكر باللسان مقرونا باستحضار القلب والوجدان وملاحظة المعاني، من غير جهر شديد بالأصوات، فقد نزلت هذه الآية حينما كان الصحابة بمكة يتكلمون بحوائجهم أثناء ترداد الآيات، ويصيحون عند آيات الرحمة والعذاب في الصلاة وغيرها. وأوقات الذكر دائمة من غير ملل، وبخاصة وقت الغدو والآصال، أي عند الصباح والمساء. فللذّكر تأثير في تربية النفس وهو غذاء للروح، وإسكان للنفس من القلق والانزعاج، قال الله تعالى: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد: 13/ 28] .
ثم أكد الله تعالى المطالبة بالذكر، بالنهي عن الغفلة عن ذكر الله، وجعل القلب ذا صلة دائمة مع الله، كما أكده ببيان أن الملائكة الأبرار لا يتكبرون عن عبادة الله، وينزهونه عن كل ما يليق بعظمته وجلاله وكبريائه، وله سبحانه وحده يصلون ويسجدون، فلا يشركون معه أحدا، وعلى المؤمنين أن يتشبهوا بأفعال الملائكة، وأن يقتدوا بهم في كثرة الطاعة والأذكار والتسبيح والتقديس. وهذا مثال من اجتهاد الملائكة يبعث على الجدّ في طاعة الله عز وجل.