الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فضيلة الهجرة في سبيل الله
المسلم في هذا العالم مطالب بعبادة الله تعالى وحده لا شريك له، وإظهار شعائر الله والاعتزاز بمظاهر الإسلام، فإذا لم يتمكن المسلم من أداء شعائر الله في بلد من البلدان، كأن تمنع حرية التدين في بعض الأقطار، فيجب عليه الهجرة من ذلك البلد، وطلب الإقامة أو الاستيطان في بلد آخر يسمح له بذلك.
قال الله تعالى مبينا وجوب الهجرة:
[سورة النساء (4) : الآيات 97 الى 100]
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (97) إِلَاّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً (99) وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (100)
«1» [النساء: 4/ 97- 100] .
روى البخاري عن ابن عباس أن أناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثّرون سواد المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأتي السهم يرمى به، فيصيب أحدهم فيقتله، أو يضرب فيقتل، فأنزل الله: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ.
وروى ابن أبي حاتم وأبو يعلى بسند جيد عن ابن عباس قال: خرج ضمرة بن جندب من بيته مهاجرا، فقال لأهله: احملوني، فأخرجوني من أرض المشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمات في الطريق قبل أن يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل الوحي: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ
…
من المعلوم أن الهجرة من مكة في مبدأ الإسلام قبل الفتح كانت واجبة، فهاجر
(1) أي مكانا للهجرة ومأوى يجد فيه الخير.
بعض المسلمين الهجرة الأولى إلى الحبشة، وهاجر آخرون مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، لكن بعض المسلمين قعد في مكة حبّا في وطنه، وإيثارا للدنيا وعرضها، ومنهم من كان ضعيفا لا يقدر على الهجرة لمرض أو كبر سن أو جهل بالطريق، ومنهم من هاجر ومات في الطريق، فنزلت هذه الآيات تبين حكم هؤلاء جميعا.
فالصنف الأول: الذين ماتوا في ديار الشرك في مكة، قبضت الملائكة أرواحهم حالة كونهم ظالمي أنفسهم برضاهم الإقامة في دار الشرك، وإيثارهم الدنيا وعرضها الفاني على نصرة الحق وتأييد رسول الله، وقبولهم الظلم والتضييق عليهم وعدم السماح لهم بممارسة شعائرهم الدينية، هؤلاء قالت لهم الملائكة توبيخا وتأنيبا عند قبض أرواحهم: في أي شيء كنتم من أمور دينكم؟ ولماذا تركتم الهجرة لنصرة الإسلام وأنتم قادرون عليها؟ قالوا معتذرين بعذر غير حقيقي: كنا مستضعفين ومستذلين في مكة، فلم نتمكن من إقامة الدين وواجباته، فردت عليهم الملائكة: ألم تكن أرض الله التي يمكنكم إظهار الدين فيها واسعة فتهاجروا؟! نعم هي واسعة، ولكنكم رضيتم بالذل، وآثرتم الدنيا على نصرة الحق، فأولئك مأواهم جهنم، وبئس المصير مصيرهم.
وهذا يدلنا على أن المسلم يجب عليه أن يفر بدينه إلى حيث يتمكن من إقامة حدود دينه وواجباته حسبما أمر الله، فمن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مأوى مناسبا، فيه الخير والسعة والرزق والعزة، وفي هذا ترغيب في الهجرة.
والصنف الثاني: وهم المستضعفون حقيقة وهم الذين لهم عذر حقيقي كالشيوخ الضعفاء والعجزة من النساء والولدان الصغار المراهقين، هؤلاء يغفر الله لهم، ولا يؤاخذهم بالإقامة في دار الشرك وترك الهجرة وهذا يدلنا على أن ترك الهجرة ذنب كبير.