الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والعبرة من هذه الأخبار: تحذير المؤمنين من التّشبه بهم وترك تعاليم دينهم، فإن الله بالمرصاد لكل من خالف أوامر الله وعصى أحكام ربّه.
مقاصد القرآن والرّسالة النّبوية
لكل كتاب إلهي أهداف عامّة ومقاصد تشريعية، ولكل رسول مهام وخصائص معينة، وقد أبان القرآن الكريم مقاصده وخصائص الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم بإيجاز، وحصر وصف الرسول بأمرين اثنين: هما البيان الإلهي، والعفو عن كثير مما يكتمه أهل الكتاب، ووصف القرآن بأنه نور وبأنه الهادي إلى الصّراط المستقيم، وبأنه يخرج الناس من الظّلمات إلى النّور.
قال الله تعالى:
[سورة المائدة (5) : الآيات 15 الى 16]
يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)
[المائدة: 5/ 15- 16] .
أخرج ابن جرير الطبري في بيان سبب النزول عن عكرمة قال: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم أتاه اليهود يسألونه عن الرّجم، فقال: أيكم أعلم؟ فأشاروا إلى ابن صوريا، فناشده بالذي أنزل التوراة على موسى، والذي رفع الطور، والمواثيق التي أخذت عليهم، حتى أخذته رعدة من الخوف، فقال: لما كثر فينا جلدنا مائة، وحلقنا الرؤوس، فحكم عليهم بالرّجم، فأنزل الله: يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا..
الآية.
والمعنى يا أهل الكتاب من اليهود والنصارى قد جاءكم رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بالهدى
ودين الحق إلى جميع أهل الأرض، وأنه بعثه بالبينات والفرق بين الحق والباطل.
ووصف الرسول هنا بصفتين:
الأولى- أنه يبين لهم كثيرا مما يخفون من أحكام الكتاب الإلهي وهو التوراة، قال ابن عباس:«أخفوا صفة محمد صلى الله عليه وسلم، وأخفوا أمر الرّجم، وعفا عن كثير مما أخفوه، فلم يفضحهم ببيانه» . والإخفاء أدب جمّ من القرآن، لأن المهم أن يؤمنوا بالقرآن، ولا داعي للإثارة المبعدة عن الإيمان وإعلان الحق.
الصفة الثانية- ويعفو عن كثير، أي يترك كثيرا ولا يظهر ما تكتمونه أنتم، إبقاء عليكم، وإنما لم يظهره لعدم الحاجة إليه في الدين. وهذا يدعوهم إلى أن يكونوا صرحاء جريئين في بيان أحكام الشرع الإلهي دون كتمان شيء، ولا تهرّب من إظهار الحقائق. وإذا كان العفو من النّبي عليه الصلاة والسلام فبأمر ربّه. وإذا كان من الله تبارك وتعالى فعلى لسان نبيّه صلى الله عليه وسلم. والمعنيان متقاربان.
وقوله تعالى: قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يعني محمدا صلى الله عليه وسلم، وفي الآية الدلالة على صحة نبوّة محمد، لأن إعلامه أهل الكتاب بخفي ما في كتبهم، وهو أمّي لا يقرأ ولا يكتب دليل على أن ذلك إنما هو وحي يأتيه من عند الله تعالى.
ثم وصف الله تعالى ما جاء به من عنده بأن محمدا الرسول أو القرآن نور يضيء درب الحق، وأن القرآن كتاب واضح يهدي به الله من أقبل عليه، واتّبع الدين الذي يرضى به الله تعالى، يهدي إلى طريق النّجاة والسّلامة ومناهج الاستقامة، وينجّي الناس من المهالك، ويخرجهم من ظلمات الكفر والضّلال إلى نور الحق والإيمان، ويرشدهم إلى الطريق القويم وهو الدين الحق الذي يوصل الناس إلى خيري الدنيا والآخرة. وذلك لأن طريق الحق واحد لذاته، وطريقه مستقيم واحد، لا اعوجاج فيه ولا غموض، أما الباطل فله شعاب كثيرة، وكلها معوجّة.