الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة التوبة (9) : الآيات 46 الى 48]
وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَاّ خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ (48)
«1» «2» «3» «4» «5» »
[التوبة: 9/ 46- 48] .
هذه الآيات دليل واضح على أن تخلف المنافقين عن المشاركة في غزوة تبوك كان بغير عذر واضح ولا صحيح، وهذا الدليل المنطقي والواقعي: هو تركهم الاستعداد للمشاركة في هذه المعركة الخطيرة، ومع هذا فإن خروجهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان مصلحة، وإنما يؤدي إلى مفاسد ثلاث: هي الإفساد والشر، وتفريق كلمة المؤمنين بالنميمة، والتسبب في سماع بعض ضعفاء الإيمان كلامهم وقبول قولهم.
إن المنافقين المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم لو قصدوا الخروج معك إلى القتال، لاستعدوا وتأهبوا له بإعداد السلاح والزاد والراحلة ونحوها، وقد كانوا مستطيعين ذلك، ولكن كره الله انبعاثهم، أي أبغض خروجهم مع المؤمنين، لما فيه من أضرار، فثبّطهم، أي أخرهم بما أحدث في قلوبهم من المخاوف، وفي نفوسهم من الكسل والاسترخاء، وقيل لهم من الرسول صلى الله عليه وسلم: اقعدوا مع القاعدين من النساء والأطفال والمرضى والعجزة الذين شأنهم القعود في البيوت، كما قال تعالى: رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ [التوبة: 9/ 87] أي القاعدين المتخلفين خوفا وجبنا ثم ثبّت الله المؤمنين وبيّن أن عدم خروج المنافقين معهم لتبوك مصلحة للجيش، فلو خرج هؤلاء المنافقون ما زادوا المؤمنين شيئا من القوة والمنعة، بل زادوهم اضطرابا في الرأي
(1) نهوضهم للخروج معكم. [.....]
(2)
حبسهم وعوقهم عن الخروج.
(3)
شرا وفسادا.
(4)
أسرعوا بالإفساد بينكم بالنميمة.
(5)
يطلبون إيقاع الفتنة.
(6)
دبروا لك الحيل والمكائد.
وفسادا في العمل، ولأسرعوا بالسعي بين المؤمنين بالنميمة والبغضاء، وتفريق الكلمة، وبذر بذور التفرقة والاختلاف، وإشاعة الخوف والأراجيف من الأعداء، وتثبيط الهمة.
هذا مع العلم بأن بين المؤمنين قوما ضعاف العقل والإيمان والعزيمة يسمعون كلامهم، ويصدّقون أقوالهم، ويطيعونهم، فتفتر عزائمهم عن الجهاد، وإن كانوا لا يعلمون حالهم، فيؤدي إلى وقوع شر بين المؤمنين وفساد كبير، وهذا لا يتفق في المواقف الخطرة مع المصلحة. والله عليم علم إحاطة بأحوال الظالمين الظاهرة والباطنة، فهو سبحانه يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن، ومجازيهم على أعمالهم كلها. وفي هذا دلالة واضحة على أن خروج المنافقين لتبوك شر لا خير فيه، وضعف لا قوة.
وتذكيرا واقعيا للمؤمنين، بموقف من الماضي، ذكر الله تعالى نوعا آخر من مكر المنافقين وخبث باطنهم تحقيرا لهم، وإبطالا لسعيهم، فقال سبحانه: لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ.. أي لقد أرادوا إيقاع الفتنة بين المسلمين من قبل ذلك، في غزوة أحد، حين اعتزل المؤمنين عبد الله بن أبي زعيم المنافقين بثلث الجيش في موضع يسمى الشوط بين المدينة المنورة وأحد، ثم قال للناس: أطاع النبي الولدان ومن لا رأي له، فعلام نقتل أنفسنا؟! وكاد يتبعه بنو سلمة وبنو حارثة، ولكن الله عصمهم من الهوان، لقد أراد المنافقون إيقاع الفتنة في أحد بين أهل الإيمان، وأرادوا تدبير الحيل والمكايد للنبي، وفكروا في إبطال أمره، حتى جاء النصر والتأييد، وظهر أمر الله، أي غلب دينه وعلا شرعه، بالتنكيل بالأعداء من اليهود، وإبطال الشرك بفتح مكة، وانتشار الإسلام، وكل هؤلاء الأعداء كارهون انتصار المؤمنين، وظهور دعوة الإسلام.