الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفضّل لإصلاح الحياة، ونفع الفرد والجماعة، لذا أنكر القرآن الكريم على عرب الجاهلية إقدامهم على سنّ الشرائع وتقرير عبادة الأصنام، وتحليل أو تحريم بعض الأنعام (المواشي) فقال سبحانه:
[سورة المائدة (5) : الآيات 103 الى 104]
ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (103) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (104)
«1» «2» «3» «4» «5» [المائدة: 5/ 103- 104] .
سأل قوم عن أحكام الجاهلية، أهي باقية، وهل تلحق بحكم الله في تعظيم الكعبة والحرم؟ فأخبر الله تعالى في هذه الآية أنه لم يجعل شيئا منها ولا سنّة أو شرّعه لعباده، ولكن الكفار فعلوا ذلك، إذ أكابرهم ورؤساؤهم كعمرو بن لحيّ وغيره يفترون على الله الكذب، فيشرعون للناس عبادة الأصنام، ويحرمون بعض المواشي ويقولون: هذه قربة إلى الله، وأمر يرضيه، وأكثر الأتباع لا يعقلون شيئا، بل يتبعون هذه الأمور تقليدا وضلالا بغير حجة.
والمعنى: ما سنّ الله ولا شرع لعباده شيئا من أحكام العرب في الجاهلية، ولا أمر بالتبحير والتّسييب وغير ذلك، ولكنهم يفترون ويقلّدون في تحريمها كبارهم.
وأكثر هؤلاء الأتباع لا يدركون أو لا يعقلون أن ذلك افتراء على الله، وتعطيل لموهبة العقل والفكر، وأنه مجرد وثنية وشرك، والله لا يأمر بالكفر ولا يرضاه لعباده. وكان أول من حرّم هذه المحرمات، وشرّع للعرب عبادة الأصنام هو عمرو بن
(1) الناقة تشق أذنها إذا ولدت خمسة أبطن آخرها ذكر، وتخلى للأصنام.
(2)
الناقة تسيب للأصنام لنحو برء من مرض أو نجاة في حرب. [.....]
(3)
الناقة التي بكّرت بأنثى ثم ثنّت بأنثى.
(4)
الفحل إذا لقح ولد ولده فلا يركب ولا يحمل.
(5)
كافينا.
لحي الخزاعي، فهو الذي غيّر دين إبراهيم، وبحر البحيرة وسيّب السائبة وحمى الحامي.
أما البحيرة: فهي الناقة التي كانوا يبحرون أذنها، أي يشقونها شقّا واسعا، إذا ولدت خمسة أبطن إناثا، فإن كان آخرها أنثى حرم على النساء لحمها ولبنها، وإن كان آخرها ذكرا نحروه وأكلوه. والسّائبة: هي النّاقة التي كانت تسيب بنذرها لآلهتهم الأصنام، فتعطى للسّدنة (الخدم) وترعى حيث شاءت، ولا يحمل عليها شيء، ولا يجزّ صوفها، ولا يحلب لبنها إلا لضيف. والوصيلة: هي الشّاة أو النّاقة التي تصل أخاها بأن تلد ذكرا وأنثى، فيقال: وصلت أخاها، فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم كما كانوا يفعلون لو ولدته وحده. والحامي: الفحل الذي يضرب في مال صاحبه، فيولد من ظهره عشرة أبطن، فيقولون: حمى ظهره، فلا يحمل عليه، ولا يمنع من ماء ولا مرعى.
هذه أنظمة تحريم بعض المواشي مما كان يفعله عرب الجاهلية الوثنيون، وهي أنظمة مفتراة مكذوبة، لم يأذن الله بها، زاعمين أن الله أمر بذلك وتراهم متناقضين، فإذا قيل لهم: تعالوا إلى العمل بما أنزل الله من الأحكام المؤيدة بالبراهين، وإلى الرسول المبلّغ لها، والمبيّن لمجملها، أجابوا: يكفينا ما وجدنا عليه آباءنا، فهم لنا أئمة قادة مشرّعون، ونحن لهم تبع، أي إنهم مقلّدون لأسلافهم تقليدا أعمى.
لذا أنكر عليهم القرآن هذا التقليد المجافي للصواب، الذي لا دليل عليه، فهل يقبل منهم مثل هذا التقليد، أيكفيهم مستندا مجرد ذلك للعمل به، ولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا أبدا من الشرائع، ولا يهتدون إلى مصلحة أو خير أصلا في الدين والدنيا، فهم يتخبطون في ظلمات الوثنية وخرافة المعتقدات، ويشرّعون لأنفسهم